فدخل [ابن الزبير](١) على أمه أسماء بنت أبى بكر الصديق ﵄ فقال: يا أمّاه قد خذلنى الناس حتى ولدى وأهلى، ولم يبق معى إلى يسير، ومن ليس عنده أكثر من صبر ساعة، وإن خصومى قالوا لى: إن شئت سلّم نفسك لعبد الملك بن مروان يرى فيك رأيه ولك الأمان. فما رأيك؟ فقالت: يا ولدى أنت أعلم بنفسك، إن كنت قاتلت لغير الله فقد هلكت وأهلكت، وإن كنت قاتلت لله-ويعلم أنك على حق وإليه تدعو-فامض له؛ فقد قتل عليه أصحابك، ولا تمكن من رقبتك غلمان بنى أمية يتلاعبون بها. وإن كنت إنما أردت الدنيا فبئس العبد أنت؛ أهلكت نفسك ومن معك، وإن قلت كنت على حق فلما قتل أصحابى وهنت وضعفت فهذا ليس فعل الأحرار ولا أهل الدين، كم خلودك فى الدنيا؟! القتل أحسن، وإن قلت لم يبق معى معين على القتال، فلعمرى إنك معذور ولكن شأن الكرام أن يموتوا على ما عاشوا عليه.
فقال: يا أمّاه أخاف إن قتلنى أهل الشام أن يمثلوا بى ويصلبونى.
فقالت: أى بنى إن الشاة لا تبالى بالسلخ فامض على بصيرتك، واستعن بالله، فقبّل رأسها، وقال: هذا رأيى والذى خرجت به داعيا إلى قومى، ما ركنت إلى الدنيا ولا أحببت الحياة فيها، وما ذعانى إلى الخروج إلا الغضب لله تعالى، وأن تستحل حرماته، ولكنى أحببت أن أعلم رأيك؛ فقد زدتنى بصيرة، فانظرى يا أمّاه فإنى مقتول فى يومى هذا فلا يشتد حزنك وسلّمى لأمر الله