للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قائما منتقع اللون، فجعلت أضمه إلىّ مرّة وأبوه مرّة، ونقول:

ما شأنك؟ فيقول: لا أدرى، إلا أنه أتانى رجلان عليهما ثياب بيض بطست من ذهب مملوء ثلجا، فأخذانى فأضجعانى فشقّا بطنى، فاستخرجا قلبى فشقاه، فاستخرجا منه علقة سوادء-أو قال شيئا- فطرحاها-ويقال: فاستخرجا منه مغمز الشيطان وعلق الدم-ثم غسلا بطنى وقلبى بذلك الثلج حتى أنقياه، وجعلا الخاتم بين كتفىّ، ثم قال أحدهما لصاحبه: زنه بعشرة من أمّته، فوزننى بعشرة فوزنتهم، ثم قال: زنه بمائة من أمته، فوزننى بهم فوزنتهم، ثم قال:

زنه بألف من أمته، فوزننى بهم فوزنتهم، فقال: دعه فلو وزنته بأمته لوزنها (١).

قالت حليمة: فرجعنا به معنا إلى خيامنا، وقال أبوه:

يا حليمة لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أصيب، فبادرى به أهله فألحقيه بهم قبل أن يتفاقم به الأمر عندنا، وقبل أن يظهر ذلك به. فلم تكن لى همّة إلا أن أتيت مكّة فأتيت به أمّه، فقلت:

يا ظئر (٢) هذا ابنى قد فصلته وارتفع عن العاهة. فقالت: ما أقدمك به يا ظئر، ومالك زاهدة فيه-وقد كنت حريصة عليه وعلى مكثه عندك-وقد كنت قبل اليوم تسألين أن أتركه عندك؟! فقلنا: لا والله يا ظئر إلا أن الله قد أدى عنّا، وقضينا الذى علينا،/وقلنا نخشى الأتلاف والأحداث نردّه على أهله، فأدّيت أمانتى وذمّتى عليك كما تحبين. قالت: ما هذا شأنكما فاصدقانى خبركما. فلم


(١) سيرة النبى لابن هشام ١:١٠٦، وتاريخ الطبرى ٢:١٣٠.
(٢) نداء حليمة للسيدة آمنة بيا ظئر من باب المجاز لأن الظئر هى المرضع لغير ولدها.