للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَيَجُوزُ طَلُقَتْ (بِضَمِّ اللَّامِ) مِثْلَ عَظُمَ يَعْظُمُ، وَأَنْكَرَهُ الْأَخْفَشُ. وَالطَّلَاقُ حَلُّ عُقْدَةِ النِّكَاحِ، وَأَصْلُهُ الِانْطِلَاقُ، وَالْمُطَلَّقَاتُ الْمُخْلَّيَاتُ، وَالطَّلَاقُ: التَّخْلِيَةُ، يُقَالُ: نَعْجَةٌ طَالِقٌ، وَنَاقَةٌ طَالِقٌ، أَيْ مُهْمَلَةٌ قَدْ تُرِكَتْ فِي الْمَرْعَى لَا قَيْدَ عَلَيْهَا وَلَا رَاعِيَ، وَبَعِيرٌ طُلُقٌ (بِضَمِّ الطَّاءِ وَاللَّامِ) غَيْرُ مُقَيَّدٍ، وَالْجَمْعُ أَطْلَاقٌ، وَحُبِسَ فُلَانٌ فِي السِّجْنِ طَلْقًا أَيْ بِغَيْرِ قَيْدٍ، وَالطَّالِقُ مِنَ الْإِبِلِ: الَّتِي يَتْرُكُهَا الرَّاعِي لِنَفْسِهِ لَا يَحْتَلِبُهَا عَلَى الْمَاءِ، يُقَالُ: اسْتَطْلَقَ الرَّاعِي نَاقَةً لِنَفْسِهِ. فَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ الْمُخَلَّى سَبِيلُهَا بِمَا سُمِّيَتْ بِهِ النَّعْجَةُ أَوِ النَّاقَةُ الْمُهْمَلُ أَمْرُهَا. وَقِيلَ: إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنْ طَلَقِ الْفَرَسِ، وَهُوَ ذَهَابُهُ شَوْطًا لَا يُمْنَعُ، فَسُمِّيَتِ الْمَرْأَةُ الْمُخَلَّاةُ طَالِقًا لَا تُمْنَعُ مِنْ نَفْسِهَا بَعْدَ أَنْ كَانَتْ مَمْنُوعَةً. الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ- فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تُطَلَّقُ بِمُضِيِّ مُدَّةِ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ، كَمَا قَالَ مَالِكٌ، مَا لَمْ يَقَعْ إِنْشَاءُ تَطْلِيقٍ بَعْدَ الْمُدَّةِ، وَأَيْضًا فَإِنَّهُ قَالَ:" سَمِيعٌ" وَسَمِيعٌ يَقْتَضِي مَسْمُوعًا بَعْدَ الْمُضِيِّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ:" سَمِيعٌ" لِإِيلَائِهِ،" عَلِيمٌ" بِعَزْمِهِ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ مُضِيُّ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ. وَرَوَى سُهَيْلُ بْنُ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: سَأَلْتُ اثْنَيْ عَشَرَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الرَّجُلِ يُولِي من امرأته، فكلهم يقول: ليس عليه شي حَتَّى تَمْضِيَ أَرْبَعَةُ أَشْهُرٍ فَيُوقَفُ، فَإِنْ فَاءَ وَإِلَّا طَلَّقَ. قَالَ الْقَاضِي ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَتَحْقِيقُ الْأَمْرِ أَنَّ تَقْدِيرَ الْآيَةِ عِنْدَنَا:" لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ" بَعْدَ انْقِضَائِهَا" فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". وَتَقْدِيرُهَا عِنْدَهُمْ:" لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِنْ نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أَرْبَعَةِ أَشْهُرٍ فَإِنْ فاؤُ" فِيهَا" فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلاقَ" بِتَرْكِ الْفَيْئَةِ فِيهَا، يُرِيدُ مُدَّةَ التَّرَبُّصِ فِيهَا" فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ". ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَهَذَا احْتِمَالٌ مُتَسَاوٍ، وَلِأَجْلِ تَسَاوِيهِ تَوَقَّفَتِ الصَّحَابَةُ فِيهِ. قُلْتُ: وَإِذَا تَسَاوَى الِاحْتِمَالُ كَانَ قَوْلُ الْكُوفِيِّينَ أَقْوَى «١» قِيَاسًا عَلَى الْمُعْتَدَّةِ بِالشُّهُورِ وَالْأَقْرَاءِ، إِذْ كُلُّ ذَلِكَ أَجَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ تَعَالَى، فَبِانْقِضَائِهِ انْقَطَعَتِ الْعِصْمَةُ وَأُبِينَتْ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ، وَلَمْ يَكُنْ لِزَوْجِهَا سَبِيلٌ عَلَيْهَا إِلَّا بِإِذْنِهَا، فَكَذَلِكَ الْإِيلَاءُ، حَتَّى لَوْ نَسِيَ الْفَيْءَ وَانْقَضَتِ المدة لوقع الطلاق، والله أعلم.


(١). في ب: أولى.