وَجُمْلَةُ مَذْهَبِ مَالِكٍ وَأَصْحَابِهِ: أَنَّهَا لَيْسَتْ عِنْدَهُمْ آيَةٌ مِنْ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَا غَيْرِهَا، وَلَا يَقْرَأُ بِهَا الْمُصَلِّي فِي الْمَكْتُوبَةِ وَلَا فِي غَيْرِهَا سِرًّا وَلَا جَهْرًا، وَيَجُوزُ أَنْ يَقْرَأَهَا فِي النَّوَافِلِ. هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ. وَعَنْهُ رِوَايَةٌ أُخْرَى أَنَّهَا تُقْرَأُ أول السور فِي النَّوَافِلِ، وَلَا تُقْرَأُ أَوَّلَ أُمِّ الْقُرْآنِ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ نَافِعٍ ابْتِدَاءَ الْقِرَاءَةِ بِهَا فِي الصَّلَاةِ الْفَرْضِ وَالنَّفْلِ وَلَا تُتْرَكُ بِحَالٍ. وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَنْ يَقُولُ: إِنَّهُ لَابُدَ فِيهَا مَنْ" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" مِنْهُمُ ابْنُ عُمَرَ، وَابْنُ شِهَابٍ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مَسْأَلَةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ لَا قَطْعِيَّةٌ، كَمَا ظَنَّهُ بَعْضُ الْجُهَّالِ مِنَ الْمُتَفَقِّهَةِ الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى قَوْلِهِ تَكْفِيرُ الْمُسْلِمِينَ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنَّ لِوُجُودِ الِاخْتِلَافِ الْمَذْكُورِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ. وَقَدْ ذَهَبَ جَمْعٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى الْإِسْرَارِ بِهَا مَعَ الْفَاتِحَةِ، مِنْهُمْ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ، وَرَوَى ذَلِكَ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعَمَّارٍ وَابْنِ الزُّبَيْرِ، وَهُوَ قَوْلُ الْحَكَمِ وَحَمَّادٍ، وبه قال أحمد ابن حَنْبَلٍ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَرُوِيَ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ مَثْلُ ذَلِكَ، حَكَاهُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي (الِاسْتِذْكَارِ). وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ فِي ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ مَنْصُورُ بْنُ زَاذَانَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُسْمِعْنَا قِرَاءَةَ" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ". وَمَا رَوَاهُ عَمَّارُ بن رزيق «١» عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ ثَابِتٍ عَنْ أنس قَالَ: صَلَّيْتُ خَلْفَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وخلف أبي بكر وعمر، فلم أسمع أحد منهم يجهر ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. قُلْتُ: هَذَا قَوْلٌ حَسَنٌ، وَعَلَيْهِ تَتَّفِقُ الْآثَارُ عَنْ أَنَسٍ وَلَا تَتَضَادُّ وَيُخْرَجُ بِهِ مِنَ الْخِلَافِ فِي قِرَاءَةِ الْبَسْمَلَةِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: كَانَ الْمُشْرِكُونَ يَحْضُرُونَ بِالْمَسْجِدِ، فَإِذَا قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ" قَالُوا: هَذَا مُحَمَّدٌ يَذْكُرُ رَحْمَانَ اليمامة يعنون مسيلمة فأمر أن يخافت ببسم اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَنَزَلَ:" وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخافِتْ بِها". قَالَ التِّرْمِذِيُّ الْحَكِيمُ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: فَبَقِيَ ذَلِكَ إِلَى يَوْمِنَا هَذَا على
(١). كذا في تهذيب التهذيب وفي الأصول:" عمار عن رزيق" وهو خطأ".
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute