للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِوَايَةُ الشَّافِعِيِّ لِحَدِيثِ رُكَانَةَ عَنْ عَمِّهِ أَتَمُّ، وَقَدْ زَادَ زِيَادَةً لَا تَرُدُّهَا الْأُصُولُ، فَوَجَبَ قَبُولُهَا لِثِقَةِ نَاقِلِيهَا، وَالشَّافِعِيُّ وَعَمُّهُ وَجَدُّهُ أَهْلُ بَيْتِ رُكَانَةَ، كُلُّهُمْ مِنْ بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ وَهُمْ أَعْلَمُ بِالْقِصَّةِ الَّتِي عَرَضَتْ لَهُمْ. فَصْلٌ- ذَكَرَ أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ مُغِيثٍ الطُّلَيْطِلِيُّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي وَثَائِقِهِ فَقَالَ: الطَّلَاقُ يَنْقَسِمُ عَلَى ضَرْبَيْنِ: طَلَاقُ سُنَّةٍ، وَطَلَاقُ بِدْعَةٍ. فَطَلَاقُ السُّنَّةِ هُوَ الْوَاقِعُ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي نَدَبَ الشَّرْعُ إِلَيْهِ. وَطَلَاقُ الْبِدْعَةِ نَقِيضُهُ، وَهُوَ أَنْ يُطَلِّقَهَا فِي حَيْضٍ أَوْ نِفَاسٍ أَوْ ثَلَاثًا فِي كَلِمَةٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ فَعَلَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ. ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّهُ مُطَلِّقٌ، كَمْ يَلْزَمُهُ مِنَ الطَّلَاقِ، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ: يَلْزَمُهُ طَلْقَةٌ وَاحِدَةٌ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَقَالَ: قَوْلُهُ ثَلَاثًا لَا مَعْنَى لَهُ لِأَنَّهُ لَمْ يُطَلِّقْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَإِنَّمَا يَجُوزُ قَوْلُهُ فِي ثَلَاثٍ إِذَا كَانَ مُخْبِرًا عَمَّا مَضَى فَيَقُولُ: طَلَّقْتُ ثَلَاثًا فَيَكُونُ مُخْبِرًا عَنْ ثَلَاثَةِ أَفْعَالٍ كَانَتْ مِنْهُ فِي ثَلَاثَةِ أَوْقَاتٍ، كَرَجُلٍ قَالَ: قَرَأْتُ أَمْسَ سُورَةَ كَذَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ فَذَلِكَ يَصِحُّ، وَلَوْ قَرَأَهَا مَرَّةً وَاحِدَةً فَقَالَ: قَرَأْتُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ كَانَ كَاذِبًا. وَكَذَلِكَ لَوْ حَلَفَ بِاللَّهِ ثَلَاثًا يُرَدِّدُ الْحَلِفَ كَانَتْ ثَلَاثَةَ أَيْمَانٍ، وَأَمَّا لَوْ حَلَفَ فَقَالَ: أَحْلِفُ بِاللَّهِ ثَلَاثًا لَمْ يَكُنْ حَلَفَ إِلَّا يَمِينًا واحدة والطلاق مثله. وقال الزُّبَيْرُ بْنُ الْعَوَّامِ وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ. وَرُوِّينَا ذَلِكَ كُلَّهُ عَنِ ابْنِ وَضَّاحٍ، وَبِهِ قَالَ مِنْ شُيُوخِ قُرْطُبَةَ ابْنُ زِنْبَاعٍ شَيْخُ هَدْيٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ تَقِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ الْحَسَنِيُّ فَرِيدُ وَقْتِهِ وَفَقِيهُ عَصْرِهِ وَأَصْبَغُ بْنُ الْحُبَابِ وَجَمَاعَةٌ سِوَاهُمْ. وَكَانَ مِنْ حُجَّةِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى فَرَّقَ «١» فِي كِتَابِهِ لَفْظَ الطَّلَاقِ فَقَالَ عَزَّ اسْمُهُ:" الطَّلاقُ مَرَّتانِ" يُرِيدُ أَكْثَرَ الطَّلَاقِ الَّذِي يَكُونُ بَعْدَهُ الْإِمْسَاكُ بِالْمَعْرُوفِ وَهُوَ الرَّجْعَةُ فِي الْعِدَّةِ. وَمَعْنَى قَوْلِهِ:" أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ" يُرِيدُ تَرْكَهَا بِلَا ارْتِجَاعٍ حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّتُهَا، وَفِي ذَلِكَ إِحْسَانٌ إِلَيْهَا إِنْ وَقَعَ نَدَمٌ بَيْنَهُمَا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً «٢» ". يُرِيدُ النَّدَمَ عَلَى الْفُرْقَةِ وَالرَّغْبَةَ فِي الرَّجْعَةِ، وَمَوْقِعُ الثَّلَاثِ غَيْرُ حَسَنٍ، لِأَنَّ فِيهِ تَرْكُ الْمَنْدُوحَةِ الَّتِي وَسَّعَ اللَّهُ بِهَا وَنَبَّهَ عَلَيْهَا، فَذِكْرُ اللَّهِ سُبْحَانَهُ الطَّلَاقَ مُفَرَّقًا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ إِذَا جُمِعَ أنه لفظ


(١). في ب: فرض.
(٢). راجع ج ١٨ ص ١٤٧