للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَابْنُ مَاجَهْ وَالدَّارَقُطْنِيُّ وَغَيْرُهُمْ عَنْ يَزِيدَ بْنِ رُكَانَةَ: أَنَّ رُكَانَةَ بْنَ عَبْدِ يَزِيدَ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ سُهَيْمَةَ الْبَتَّةَ فَأَخْبَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، فَقَالَ:" آللَّهِ مَا أَرَدْتَ إِلَّا وَاحِدَةً"؟ فَقَالَ رُكَانَةُ: وَاللَّهِ مَا أَرَدْتُ إِلَّا وَاحِدَةً، فَرَدَّهَا إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ ابْنُ مَاجَهْ: سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ الطَّنَافِسِيَّ يَقُولُ: مَا أَشْرَفَ هَذَا الْحَدِيثَ! وَقَالَ مَالِكٌ فِي الرَّجُلِ يَقُولُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتِ عَلَيَّ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ: أَرَاهَا الْبَتَّةَ وَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ، فَلَا تَحِلُّ إِلَّا بَعْدَ زَوْجٍ. وَفِي قَوْلِ الشَّافِعِيِّ: إِنْ أَرَادَ طَلَاقًا فَهُوَ طَلَاقٌ، وَمَا أَرَادَ مِنْ عَدَدِ الطَّلَاقِ، وَإِنْ لَمْ يُرِدْ طَلَاقًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ بَعْدَ أَنْ يَحْلِفَ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَصْلُ هَذَا الْبَابِ فِي كُلِّ كِنَايَةٍ عَنِ الطَّلَاقِ، مَا رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ- لِلَّتِي تَزَوَّجَهَا حِينَ قَالَتْ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْكَ-:" قَدْ عُذْتِ بِمُعَاذٍ الْحَقِي بِأَهْلِكِ". فَكَانَ ذَلِكَ طَلَاقًا. وَقَالَ كعب ابن مَالِكٍ لِامْرَأَتِهِ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِاعْتِزَالِهَا: الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ طَلَاقًا، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَذِهِ اللَّفْظَةَ مُفْتَقِرَةٌ إِلَى النِّيَّةِ، وَأَنَّهَا لَا يُقْضَى فِيهَا إِلَّا بِمَا يَنْوِي اللَّافِظُ بِهَا، وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْكِنَايَاتِ الْمُحْتَمَلَاتِ لِلْفِرَاقِ وَغَيْرِهِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا الْأَلْفَاظُ الَّتِي لَيْسَتْ مِنْ أَلْفَاظِ الطَّلَاقِ وَلَا يُكَنَّى بِهَا عَنِ الْفِرَاقِ، فَأَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ لَا يُوقِعُونَ بِشَيْءٍ مِنْهَا طَلَاقًا وَإِنْ قَصَدَهُ الْقَائِلُ. وَقَالَ مَالِكٌ: كُلُّ مَنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ بِأَيِ لَفْظٍ كَانَ لَزِمَهُ الطَّلَاقُ، حَتَّى بِقَوْلِهِ: كُلِي وَاشْرَبِي وَقُومِي وَاقْعُدِي، وَلَمْ يُتَابِعْ مَالِكًا عَلَى ذَلِكَ إِلَّا أَصْحَابُهُ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ (. فِيهِ خَمْسَ عَشْرَةَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً (" أَنْ

" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِ" يَحِلُّ". وَالْآيَةُ خِطَابٌ لِلْأَزْوَاجِ، نُهُوا أَنْ يَأْخُذُوا مِنْ أَزْوَاجِهِمْ شَيْئًا عَلَى وَجْهِ الْمُضَارَّةِ، وَهَذَا هُوَ الْخُلْعُ الَّذِي لَا يَصِحُّ إِلَّا بِأَلَّا يَنْفَرِدَ الرَّجُلُ بِالضَّرَرِ، وَخَصَّ بِالذِّكْرِ ما آتى