للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثانية- (يُرْضِعْنَ) خَبَرٌ مَعْنَاهُ الْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ لِبَعْضِ الْوَالِدَاتِ، وَعَلَى جِهَةِ النَّدْبِ لِبَعْضِهِنَّ عَلَى مَا يَأْتِي. وَقِيلَ: هُوَ خَبَرٌ عَنِ الْمَشْرُوعِيَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي الرَّضَاعِ هَلْ هُوَ حَقٌّ لِلْأُمِّ أَوْ هُوَ حَقٌّ عَلَيْهَا، وَاللَّفْظُ مُحْتَمَلٌ، لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ التَّصْرِيحَ بِكَوْنِهِ عَلَيْهَا لَقَالَ: وَعَلَى الْوَالِدَاتِ رَضَاعُ أَوْلَادِهِنَّ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَ

" وَلَكِنْ هُوَ عَلَيْهَا فِي حَالِ «١» الزَّوْجِيَّةِ، وَهُوَ عُرْفٌ يَلْزَمُ إِذْ قَدْ صَارَ كَالشَّرْطِ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ شَرِيفَةً ذَاتَ تَرَفُّهٍ «٢» فَعُرْفُهَا أَلَّا تُرْضِعَ وَذَلِكَ كَالشَّرْطِ. وَعَلَيْهَا إِنْ لَمْ يَقْبَلِ الْوَلَدُ غَيْرَهَا وَاجِبٌ. وَهُوَ عَلَيْهَا إِذَا عُدِمَ لِاخْتِصَاصِهَا بِهِ. فَإِنْ مَاتَ الْأَبُ وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ فَمَذْهَبُ مَالِكٍ فِي" الْمُدَوَّنَةِ" أَنَّ الرَّضَاعَ لَازِمٌ لِلْأُمِّ بِخِلَافِ النَّفَقَةِ. وَفِي كِتَابِ ابْنِ الْجَلَّابِ: رَضَاعُهُ فِي بَيْتِ الْمَالِ. وَقَالَ عَبْدُ الْوَهَّابِ: هُوَ فَقِيرٌ مِنْ فُقَرَاءِ الْمُسْلِمِينَ. وَأَمَّا الْمُطَلَّقَةُ طَلَاقَ بَيْنُونَةٍ فَلَا رَضَاعَ عَلَيْهَا، وَالرَّضَاعُ عَلَى الزَّوْجِ إِلَّا أَنْ تَشَاءَ هِيَ، فَهِيَ أَحَقُّ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ، هَذَا مَعَ يُسْرِ الزَّوْجِ فَإِنْ كَانَ مُعْدِمًا لَمْ يَلْزَمْهَا الرَّضَاعُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمَوْلُودُ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهَا فَتُجْبَرُ حِينَئِذٍ عَلَى الْإِرْضَاعِ. وَكُلُّ مَنْ يَلْزَمُهَا الْإِرْضَاعُ فَإِنْ أَصَابَهَا عُذْرٌ يَمْنَعُهَا مِنْهُ عَادَ الْإِرْضَاعُ عَلَى الْأَبِ. وَرُوِيَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْأَبَ إِذَا كَانَ مُعْدِمًا وَلَا مَالَ لِلصَّبِيِّ أَنَّ الرَّضَاعَ عَلَى الْأُمِّ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا لَبَنٌ وَلَهَا مَالٌ فَالْإِرْضَاعُ عَلَيْهَا فِي مَالِهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَلْزَمُ الرَّضَاعُ إِلَّا وَالِدًا أَوْ جَدًّا وَإِنْ عَلَا، وَسَيَأْتِي مَا لِلْعُلَمَاءِ فِي هَذَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى:" وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ". يُقَالُ: رَضِعَ يَرْضَعُ رَضَاعَةً وَرَضَاعًا، وَرَضَعَ يَرْضِعُ رِضَاعًا وَرَضَاعَةً (بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي الْأَوَّلِ وَفَتْحِهَا فِي الثَّانِي) وَاسْمُ الْفَاعِلِ رَاضِعٌ فِيهِمَا. وَالرَّضَاعَةُ: اللُّؤْمُ (مَفْتُوحُ الرَّاءِ لَا غَيْرَ). الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (حَوْلَيْنِ) أَيْ سَنَتَيْنِ، مِنْ حَالَ الشَّيْءُ إِذَا انْقَلَبَ، فَالْحَوْلُ مُنْقَلِبٌ مِنَ الْوَقْتِ الْأَوَّلِ إِلَى الثَّانِي. وَقِيلَ: سُمِّيَ الْعَامُ حَوْلًا لِاسْتِحَالَةِ الْأُمُورِ فِيهِ فِي الْأَغْلَبِ. (كامِلَيْنِ) قُيِّدَ بِالْكَمَالِ لِأَنَّ الْقَائِلَ قَدْ يَقُولُ: أَقَمْتُ عِنْدَ فُلَانٍ حَوْلَيْنِ وَهُوَ يُرِيدُ «٣» حَوْلًا وَبَعْضَ حَوْلٍ آخَرَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ" وإنما يتعجل


(١). في ب، وز وهـ: في حق الزوجة.
(٢). في ب: ذات محل. أي ذات مكانة.
(٣). في ب، وهـ: يعنى.