قُلْتُ: قَوْلُهُ:" وَهَذَا هُوَ الْأَصْلُ" يُرِيدُ فِي رُجُوعِ الضَّمِيرِ إِلَى أَقْرَبِ مَذْكُورٍ، وَهُوَ صَحِيحٌ، إِذْ لَوْ أَرَادَ الْجَمِيعَ الَّذِي هُوَ الْإِرْضَاعُ وَالْإِنْفَاقُ وَعَدَمُ الضَّرَرِ لَقَالَ: وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ هَؤُلَاءِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى الْمَنْعِ مِنَ الْمُضَارَّةِ، وَعَلَى ذَلِكَ تَأَوَّلَهُ كَافَّةُ الْمُفَسِّرِينَ فِيمَا حَكَى الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ، وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَنَّ الْوَالِدَةَ لَا تُضَارَّ وَلَدَهَا فِي أَنَّ الْأَبَ إِذَا بَذَلَ لَهَا أُجْرَةَ الْمِثْلِ أَلَّا تُرْضِعَهُ،" وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ" فِي أَنَّ الْأُمَّ إِذَا بَذَلَتْ أَنْ تُرْضِعَهُ بِأُجْرَةِ الْمِثْلِ كَانَ لَهَا ذَلِكَ، لِأَنَّ الْأُمَّ أَرْفَقُ وَأَحَنُّ عَلَيْهِ، وَلَبَنُهَا خَيْرٌ لَهُ مِنْ لَبَنِ الْأَجْنَبِيَّةِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَقَالَ مَالِكٌ رَحِمَهُ اللَّهُ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ وَالشَّعْبِيُّ أَيْضًا وَالزُّهْرِيُّ وَالضَّحَّاكُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ" مِثْلُ ذلِكَ" أَلَّا تُضَارَّ، وَأَمَّا الرِّزْقُ وَالْكُسْوَةُ فَلَا يجب شي مِنْهُ. وَرَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ الْآيَةَ تَضَمَّنَتْ أَنَّ الرِّزْقَ وَالْكُسْوَةَ عَلَى الْوَارِثِ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْإِجْمَاعِ مِنَ الْأُمَّةِ فِي أَلَّا يُضَارَّ الْوَارِثُ، وَالْخِلَافُ هَلْ عَلَيْهِ رِزْقٌ وَكِسْوَةٌ أَمْ لَا. وَقَرَأَ يَحْيَى بْنُ يَعْمَرَ" وَعَلَى الْوَرَثَةِ" بِالْجَمْعِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْعُمُومَ، فَإِنِ أسدلوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ." لَا يَقْبَلُ اللَّهُ صَدَقَةً وَذُو رَحِمٍ مُحْتَاجٌ" قِيلَ لَهُمُ الرَّحِمُ عُمُومٌ فِي كُلِّ ذِي رَحِمٍ، مَحْرَمًا كَانَ أَوْ غَيْرَ مَحْرَمٍ، وَلَا خِلَافَ أَنَّ صَرْفَ الصَّدَقَةِ إِلَى ذِي الرَّحِمِ أَوْلَى لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ:" اجْعَلْهَا فِي الْأَقْرَبِينَ" فَحُمِلَ الْحَدِيثُ عَلَى هَذَا، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ عَلَى مَا رَامُوهُ، وَاللَّهُ أعلم. وقال النحاس: وأما قوله مَنْ قَالَ" وَعَلَى الْوارِثِ مِثْلُ ذلِكَ" أَلَّا يُضَارَّ فَقَوْلُهُ حَسَنٌ، لِأَنَّ أَمْوَالَ النَّاسِ مَحْظُورَةٌ فلا يخرج شي منها إلا بدليل قاطع. وأما قوله مَنْ قَالَ عَلَى وَرَثَةِ الْأَبِ فَالْحُجَّةُ أَنَّ النَّفَقَةَ كَانَتْ عَلَى الْأَبِ، فَوَرَثَتُهُ أَوْلَى مِنْ وَرَثَةِ الِابْنِ. وَأَمَّا حُجَّةُ مَنْ قَالَ عَلَى وَرَثَةِ الِابْنِ فَيَقُولُ: كَمَا يَرِثُونَهُ يَقُومُونَ بِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَكَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ يَخْتَارُ قَوْلَ مَنْ قَالَ الْوَارِثُ هُنَا الِابْنُ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ قَوْلًا غَرِيبًا فَالِاسْتِدْلَالُ بِهِ صَحِيحٌ وَالْحُجَّةُ بِهِ ظَاهِرَةٌ، لِأَنَّ مَالَهُ أَوْلَى بِهِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْفُقَهَاءُ إِلَّا مَنْ شَذَّ مِنْهُمْ أَنَّ رَجُلًا لَوْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ طِفْلٌ وَلِلْوَلَدِ مَالٌ، وَالْأَبُ مُوسِرٌ أَنَّهُ لَا يَجِبُ على الأب نفقة ولإرضاع، وَأَنَّ ذَلِكَ مِنْ مَالِ الصَّبِيِّ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ" وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ"، قِيلَ: هَذَا الضَّمِيرُ لِلْمُؤَنَّثِ، وَمَعَ هَذَا فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute