بِالسَّوَادِ فَإِنَّهُ رَخَّصَ فِيهِ عُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ وَمَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ، وَكَرِهَهُ الزُّهْرِيُّ. وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: لَا تَلْبَسُ ثَوْبَ عَصْبٍ، وَهُوَ خِلَافُ الْحَدِيثِ. وَفِي الْمُدَوَّنَةِ قَالَ مَالِكٌ: لَا تَلْبَسُ رَقِيقَ عَصْبِ الْيَمَنِ، وَوَسَّعَ فِي غَلِيظِهِ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: لِأَنَّ رَقِيقَهُ بِمَنْزِلَةِ الثِّيَابِ الْمُصْبَغَةِ وَتَلْبَسُ رَقِيقَ الثِّيَابِ وَغَلِيظَهُ مِنَ الْحَرِيرِ وَالْكَتَّانِ وَالْقُطْنِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَرَخَّصَ كُلُّ مَنْ أَحْفَظُ عَنْهُ فِي لِبَاسِ الْبَيَاضِ، قَالَ الْقَاضِي عِيَاضٌ: ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ إِلَى أَنَّ كُلَّ صَبْغٍ كَانَ زِينَةً لَا تَمَسُّهُ الْحَادُّ رَقِيقًا كَانَ أَوْ غَلِيظًا. وَنَحْوُهُ لِلْقَاضِي عَبْدِ الْوَهَّابِ قَالَ: كُلُّ مَا كَانَ مِنَ الْأَلْوَانِ تَتَزَيَّنُ بِهِ النِّسَاءُ لِأَزْوَاجِهِنَّ فَلْتَمْتَنِعْ مِنْهُ الْحَادُّ. وَمَنَعَ بَعْضُ، مَشَايِخِنَا الْمُتَأَخِّرِينَ جَيِّدَ الْبَيَاضِ الَّذِي يُتَزَيَّنُ بِهِ، وَكَذَلِكَ الرَّفِيعَ مِنَ السَّوَادِ. وَرَوَى ابْنُ الْمَوَّازِ عَنْ مَالِكٍ: لَا تَلْبَسُ حُلِيًّا وَإِنْ كَانَ حَدِيدًا، وَفِي الْجُمْلَةِ أَنَّ كُلَّ مَا تَلْبَسُهُ الْمَرْأَةُ عَلَى وَجْهِ مَا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْهِ الْحُلِيُّ مِنَ التَّجَمُّلِ فَلَا تَلْبَسْهُ الْحَادُّ. وَلَمْ يَنُصَّ أَصْحَابُنَا عَلَى الْجَوَاهِرِ وَالْيَوَاقِيتِ وَالزُّمُرُّدِ وَهُوَ دَاخِلٌ فِي مَعْنَى الْحُلِيِّ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. السَّادِسَةَ عَشْرَةَ- وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى وُجُوبِ الْإِحْدَادِ عَلَى الْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا، إِلَّا الْحَسَنَ فَإِنَّهُ قَالَ: لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَاحْتَجَّ بِمَا رَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ شَدَّادِ بْنِ الْهَادِ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ قَالَتْ: لَمَّا أُصِيبَ جَعْفَرُ بْنُ أَبِي طَالِبٍ قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" تَسَلَّبِي «١» ثَلَاثًا ثُمَّ اصْنَعِي مَا شِئْتِ". قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَانَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ الْعِلْمِ لَا يَرَى الْإِحْدَادَ، وَقَالَ: الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا وَالْمُتَوَفَّى عَنْهَا زَوْجُهَا تَكْتَحِلَانِ وَتَخْتَضِبَانِ وَتَصْنَعَانِ مَا شَاءَا. وَقَدْ ثَبَتَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِحْدَادِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ بَلَغَتْهُ إِلَّا التَّسْلِيمُ، وَلَعَلَّ الْحَسَنَ لَمْ تَبْلُغْهُ، أَوْ بَلَغَتْهُ فَتَأَوَّلَهَا بِحَدِيثِ أَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ أَنَّهَا اسْتَأْذَنَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تُحِدَّ عَلَى جَعْفَرٍ وَهَى امْرَأَتُهُ، فَأَذِنَ لَهَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ ثُمَّ بَعَثَ إِلَيْهَا بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَنْ تَطَهَّرِي وَاكْتَحِلِي. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ، وَقَدْ دَفَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ هَذَا الْحَدِيثَ بِوُجُوهٍ، وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ يَقُولُ: هَذَا الشاذ من الحديث لا يؤخذ به، وقال إسحاق.
(١). تسلبي: البسي ثياب الحداد السود، وهى السلاب (ككتاب).
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute