للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

غَفَرَ اللَّهُ لَكَ يَا أَبَا جَعْفَرٍ! إِنَّكَ رَجُلٌ يُؤْخَذُ عَنْكَ تَخْطُبُنِي فِي عِدَّتِي! قَالَ: إِنَّمَا أَخْبَرْتُكِ بِقَرَابَتِي مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمِنْ عَلِيٍّ. وَقَدْ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أُمِّ سَلَمَةَ وَهِيَ مُتَأَيِّمَةٌ مِنْ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ:" لَقَدْ عَلِمْتِ أَنِّي رَسُولُ اللَّهِ وَخِيَرَتُهُ وَمَوْضِعِي فِي قَوْمِي" كَانَتْ تِلْكَ خِطْبَةً، أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ. وَالْهَدِيَّةُ إِلَى الْمُعْتَدَّةِ جَائِزَةٌ، وَهَى مِنَ التَّعْرِيضِ، قَالَهُ سَحْنُونُ وَكَثِيرٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ وَقَالَهُ إِبْرَاهِيمُ. وَكَرِهَ مُجَاهِدٌ أَنْ يَقُولَ لَهَا: لَا تَسْبِقِينِي بِنَفْسِكِ وَرَآهُ مِنَ الْمُوَاعَدَةِ سِرًّا. قَالَ الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا عِنْدِي عَلَى أَنْ يُتَأَوَّلَ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِفَاطِمَةَ أَنَّهُ عَلَى جِهَةِ الرَّأْيِ لَهَا فِيمَنْ يَتَزَوَّجُهَا لَا أَنَّهُ أَرَادَهَا لِنَفْسِهِ وَإِلَّا فَهُوَ خِلَافٌ لِقَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. الثَّالِثَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ) الْخِطْبَةُ (بِكَسْرِ الْخَاءِ): فِعْلُ الْخَاطِبِ مِنْ كَلَامٍ وَقَصْدٍ وَاسْتِلْطَافٍ بِفِعْلٍ أَوْ قَوْلٍ. يُقَالُ: خَطَبَهَا يَخْطُبُهَا خَطْبًا وَخِطْبَةً. وَرَجُلٌ خَطَّابٌ كَثِيرُ التَّصَرُّفِ فِي الْخِطْبَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:

بَرَّحَ بِالْعَيْنَيْنِ خَطَّابُ الْكُثَبْ ... يَقُولُ إِنِّي خَاطِبٌ وَقَدْ كَذَبْ

وَإِنَّمَا يَخْطُبُ عُسًّا مَنْ حَلَبْ «١»

وَالْخَطِيبُ: الْخَاطِبُ. وَالْخِطِّيبَى: الْخِطْبَةُ، قَالَ عَدِيُّ بْنُ زَيْدٍ يذكر قصد جَذِيمَةَ الْأَبْرَشِ لِخِطْبَةِ الزَّبَّاءِ:

لَخِطِّيبَى الَّتِي غَدَرَتْ وَخَانَتْ ... وَهُنَّ ذَوَاتُ غَائِلَةٍ لِحُينَا

وَالْخِطْبُ، الرَّجُلُ الَّذِي يَخْطُبُ الْمَرْأَةَ، وَيُقَالُ أَيْضًا: هِيَ خِطْبُهُ وَخِطْبَتُهُ الَّتِي يَخْطُبُهَا. وَالْخِطْبَةُ فِعْلَةٌ كَجِلْسَةٍ وَقِعْدَةٍ: وَالْخُطْبَةُ (بِضَمِّ الْخَاءِ) هِيَ الْكَلَامُ الَّذِي يُقَالُ فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالْخُطْبَةُ مَا كَانَ لَهَا أَوَّلٌ وَآخِرٌ، وَكَذَا مَا كَانَ عَلَى فَعْلَةٍ نَحْوَ الْأَكْلَةِ وَالضَّغْطَةِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ) مَعْنَاهُ سَتَرْتُمْ وَأَضْمَرْتُمْ مِنَ التَّزَوُّجِ بِهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ عِدَّتِهَا. وَالْإِكْنَانُ: السَّتْرُ «٢» وَالْإِخْفَاءُ، يُقَالُ: كَنَنْتُهُ وَأَكْنَنْتُهُ بِمَعْنًى واحد. وقيل:


(١). الكثب بضم ففتح: جمع كثبة، وهى كل قليل جمعته من طعام أو لبن أو غير ذلك. والعس (بضم العين): القدح الضخم. يريد أن الرجل بجي بعلة الخطبة وهو يريد القرى. قال ابن الاعرابي: يقال للرجل إذا جاء يطلب القرى بعلة الخطبة: إنه ليخطب كثبة. (عن اللسان).
(٢). في ج: السر.