للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثُمَّ أَقْبَلَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ عَلَى صِبْيَانِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أَفْوَاهِهِمْ وَتُنَفِّضُ مَا فِي أَكْمَامِهِمْ حَتَّى أَفْضَتْ إِلَى الْحَائِطِ الْآخَرِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" كَمْ مِنْ عِذْقٍ «١» رَدَاحٍ وَدَارٍ «٢» فَيَّاحٍ لِأَبِي الدَّحْدَاحِ". الثَّانِيَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ:" انْقَسَمَ الْخَلْقُ بِحُكْمِ الْخَالِقِ وَحِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ وَقَضَائِهِ وَقَدَرِهِ حِينَ سَمِعُوا هَذِهِ الْآيَةَ أَقْسَامًا، فَتَفَرَّقُوا فِرَقًا ثَلَاثَةً: الْفِرْقَةُ الْأُولَى الرَّذْلَى قَالُوا: إِنَّ رَبَّ مُحَمَّدٍ مُحْتَاجٌ فَقِيرٌ إِلَيْنَا وَنَحْنُ أَغْنِيَاءُ، فَهَذِهِ جَهَالَةٌ لَا تَخْفَى عَلَى ذِي لُبٍّ، فَرَدَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ:" لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ «٣» ". الْفِرْقَةُ الثَّانِيَةُ لَمَّا سَمِعَتْ هَذَا الْقَوْلَ آثَرَتِ الشُّحَّ وَالْبُخْلَ وَقَدَّمَتِ الرَّغْبَةَ فِي الْمَالِ، فَمَا أَنْفَقَتْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَا فَكَّتْ أَسِيرًا وَلَا أَعَانَتْ «٤» أَحَدًا، تَكَاسُلًا عَنِ الطَّاعَةِ وَرُكُونًا إِلَى هَذِهِ الدَّارِ. [الْفِرْقَةُ «٥»] الثَّالِثَةُ لَمَّا سَمِعَتْ بَادَرَتْ إِلَى امْتِثَالِهِ وَآثَرَ الْمُجِيبُ مِنْهُمْ بِسُرْعَةٍ بِمَالِهِ كَأَبِي الدَّحْدَاحِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَغَيْرُهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّالِثَةُ- قوله تعالى: (قَرْضاً حَسَناً) الْقَرْضُ: اسْمٌ لِكُلِّ مَا يُلْتَمَسُ عَلَيْهِ الْجَزَاءُ. وَأَقْرَضَ فُلَانٌ فُلَانًا أَيْ أَعْطَاهُ مَا يَتَجَازَاهُ، قَالَ الشَّاعِرُ وَهُوَ لَبِيَدٌ:

وَإِذَا جُوزِيتَ قَرْضًا فَاجْزِهِ ... إِنَّمَا يَجْزِي الْفَتَى لَيْسَ الْجَمَلْ

وَالْقِرْضُ بِالْكَسْرِ لُغَةٌ فِيهِ حَكَاهَا الْكِسَائِيُّ. وَاسْتَقْرَضْتُ مِنْ فُلَانٍ أَيْ طَلَبْتُ مِنْهُ الْقَرْضَ فَأَقْرَضَنِي. وَاقْتَرَضْتُ مِنْهُ أَيْ أَخَذْتُ الْقَرْضَ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْقَرْضُ فِي اللُّغَةِ الْبَلَاءُ الْحَسَنُ وَالْبَلَاءُ السَّيِّئُ، قَالَ أُمَيَّةُ:

كُلُّ امْرِئٍ سَوْفَ يُجْزَى قَرْضَهُ حَسَنًا ... أَوْ سَيِّئًا وَمَدِينًا مِثْلَ مَا دَانَا

وَقَالَ آخَرُ:

تُجَازَى الْقُرُوضُ بِأَمْثَالِهَا ... فَبِالْخَيْرِ خَيْرًا وَبِالشَّرِّ شَرًّا

وَقَالَ الْكِسَائِيُّ: الْقَرْضُ مَا أَسْلَفْتُ مِنْ عَمَلٍ صَالِحٍ أَوْ سَيِّئٍ. وَأَصْلُ الْكَلِمَةِ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ الْمِقْرَاضُ. وَأَقْرَضْتُهُ أَيْ قَطَعْتُ لَهُ مِنْ مَالِي قِطْعَةً يُجَازِي عَلَيْهَا. وَانْقَرَضَ القوم: انقطع


(١). العذق (بفتح فسكون): النخلة. وبكسر فسكون: العرجون بما فيه من الشماريخ. ورداح ثقيلة.
(٢). الفياح (بالتشديد والتخفيف): الواسع.
(٣). راجع ج ٤ ص ٢٩٤.
(٤). في ابن العربي: أغاثت. [ ..... ]
(٥). في ابن العربي.