السَّابِعَةُ- قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: من قال إن شرب عبد ى فُلَانٌ مِنَ الْفُرَاتِ فَهُوَ حُرٌّ فَلَا يُعْتَقُ إِلَّا أَنْ يَكْرَعَ فِيهِ، وَالْكَرْعُ أَنْ يَشْرَبَ الرَّجُلُ بِفِيهِ مِنَ النَّهَرِ، فَإِنْ شَرِبَ بِيَدِهِ أَوِ اغْتَرَفَ بِالْإِنَاءِ مِنْهُ لَمْ يُعْتَقْ، لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ فَرَّقَ بَيْنَ الْكَرْعِ فِي النَّهَرِ وَبَيْنَ الشُّرْبِ بِالْيَدِ. قَالَ: وَهَذَا فَاسِدٌ، لِأَنَّ شُرْبَ الْمَاءِ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ هَيْئَةٍ وَصِفَةٍ فِي لِسَانِ الْعَرَبِ مِنْ غَرْفٍ بِالْيَدِ أَوْ كَرْعٍ بِالْفَمِ انْطِلَاقًا وَاحِدًا، فَإِذَا وُجِدَ الشُّرْبُ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ لُغَةً وَحَقِيقَةً حَنِثَ، فَاعْلَمْهُ. قُلْتُ: قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَصَحُّ، فَإِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَهُمَا كَمَا فَرَّقَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ. قَالَ الْجَوْهَرِيُّ وَغَيْرُهُ: وَكَرَعَ فِي الْمَاءِ كُرُوعًا إِذَا تَنَاوَلَهُ بِفِيهِ مِنْ مَوْضِعِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَشْرَبَ بِكَفَّيْهِ وَلَا بِإِنَاءٍ، وَفِيهِ لُغَةٌ أُخْرَى" كَرِعَ" بِكَسْرِ الرَّاءِ [يَكْرَعُ «١»] كَرَعًا. وَالْكَرَعُ: مَاءُ السَّمَاءِ يُكْرَعُ فِيهِ. وَأَمَّا السُّنَّةُ فَذَكَرَ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ: حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى حَدَّثَنَا ابْنُ فُضَيْلٍ عَنْ لَيْثٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ عَامِرٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: مَرَرْنَا عَلَى بِرْكَةٍ فَجَعَلْنَا نَكْرَعُ فِيهَا فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" لا تَكْرَعُوا وَلَكِنِ اغْسِلُوا أَيْدِيَكُمْ ثُمَّ اشْرَبُوا فِيهَا فَإِنَّهُ لَيْسَ إِنَاءٌ أَطْيَبَ مِنَ الْيَدِ" وَهَذَا نَصٌّ. وَلَيْثُ بْنُ أَبِي سُلَيْمٍ خَرَّجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَقَدْ ضُعِّفَ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ) الِاغْتِرَافُ: الْأَخْذُ مِنَ الشَّيْءِ بِالْيَدِ وَبِآلَةٍ، وَمِنْهُ الْمِغْرَفَةُ، وَالْغَرْفُ مِثْلُ الاغتراف. وقرى" غَرْفَةً" بِفَتْحِ الْغَيْنِ وَهِيَ مَصْدَرٌ، وَلَمْ يَقُلْ اغْتِرَافَةً، لِأَنَّ مَعْنَى الْغَرْفِ وَالِاغْتِرَافِ وَاحِدٌ. وَالْغَرْفَةُ المرة الواحدة. وقرى" غُرْفَةً" بِضَمِّ الْغَيْنِ وَهِيَ الشَّيْءُ الْمُغْتَرَفُ. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ: الْغَرْفَةُ بِالْكَفِّ الْوَاحِدِ وَالْغُرْفَةِ بِالْكَفَّيْنِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كِلَاهُمَا لُغَتَانِ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: الْأَكُفُّ أَنْظَفُ الْآنِيَةِ، وَمِنْهُ قَوْلُ الْحَسَنِ:
لَا يَدْلِفُونَ إِلَى مَاءٍ بِآنِيَةٍ ... إِلَّا اغْتِرَافًا مِنَ الْغُدْرَانِ بِالرَّاحِ
الدَّلِيفُ: المشي الرويد.
(١). في هـ وج وز. [ ..... ]
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute