للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن إِيشَى «١» - بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، وَيُقَالُ: دَاوُدُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ رَشْوَى، وَكَانَ مِنْ سِبْطِ يَهُوذَا بْنِ يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَكَانَ مِنْ أَهْلِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ جُمِعَ لَهُ بَيْنَ النُّبُوَّةِ وَالْمُلْكِ بَعْدَ أَنْ كَانَ رَاعِيًا وَكَانَ أَصْغَرَ إِخْوَتِهِ وَكَانَ يَرْعَى غَنَمًا، وَكَانَ لَهُ سَبْعَةُ إِخْوَةٍ فِي أَصْحَابِ طَالُوتَ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْحَرْبُ قَالَ فِي نَفْسِهِ: لَأَذْهَبَنَّ إِلَى رُؤْيَةِ هَذِهِ الْحَرْبِ، فَلَمَّا نَهَضَ فِي طَرِيقِهِ مَرَّ بِحَجَرٍ فَنَادَاهُ: يَا دَاوُدُ خُذْنِي فَبِي تَقْتُلُ جَالُوتَ، ثُمَّ نَادَاهُ حَجَرٌ آخَرُ ثُمَّ آخَرُ فَأَخَذَهَا وَجَعَلَهَا فِي مِخْلَاتِهِ وَسَارَ، فَخَرَجَ جَالُوتُ يَطْلُبُ مُبَارِزًا فَكَعَّ «٢» النَّاسُ عَنْهُ حَتَّى قَالَ طَالُوتُ: مَنْ يَبْرُزُ إِلَيْهِ وَيَقْتُلُهُ فَأَنَا أُزَوِّجُهُ ابْنَتِي وَأُحَكِّمُهُ فِي مَالِيَ، فَجَاءَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: أَنَا أَبْرُزُ إِلَيْهِ وَأَقْتُلُهُ، فَازْدَرَاهُ طَالُوتُ حِينَ رَآهُ لِصِغَرِ سِنِّهِ وَقِصَرِهِ فَرَدَّهُ، وَكَانَ دَاوُدُ أَزْرَقَ قَصِيرًا، ثُمَّ نَادَى ثَانِيَةً وَثَالِثَةً فَخَرَجَ دَاوُدُ، فَقَالَ طَالُوتُ لَهُ: هَلْ جَرَّبْتَ نَفْسَكَ بِشَيْءٍ؟ قَالَ نَعَمْ، قَالَ بماذا؟ قَالَ: وَقَعَ ذِئْبٌ فِي غَنَمِي فَضَرَبْتُهُ ثُمَّ أَخَذْتُ رَأْسَهُ فَقَطَعْتُهُ مِنْ جَسَدِهِ. قَالَ طَالُوتُ: الذِّئْبُ ضَعِيفٌ، هَلْ جَرَّبْتَ نَفْسَكَ فِي غَيْرِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، دَخَلَ الْأَسَدُ فِي غَنَمِي فَضَرَبْتُهُ ثُمَّ أَخَذْتُ بِلَحْيَيْهِ فَشَقَقْتُهُمَا، أَفَتَرَى هَذَا أَشَدَّ مِنَ الْأَسَدِ؟ قَالَ لَا، وَكَانَ عِنْدَ طَالُوتَ دِرْعٌ لَا تَسْتَوِي إِلَّا عَلَى مَنْ يَقْتُلُ جَالُوتَ، فَأَخْبَرَهُ بِهَا وَأَلْقَاهَا عَلَيْهِ فَاسْتَوَتْ، فَقَالَ طَالُوتُ: فَارْكَبْ فَرَسِي وَخُذْ سِلَاحِي فَفَعَلَ، فَلَمَّا مَشَى قَلِيلًا رَجَعَ فَقَالَ النَّاسُ: جَبُنَ الْفَتَى! فَقَالَ دَاوُدُ: إِنَّ اللَّهَ إِنْ لَمْ يَقْتُلْهُ لِي وَيُعِنِّي عَلَيْهِ لَمْ يَنْفَعْنِي هَذَا الْفَرَسُ وَلَا هَذَا السِّلَاحُ، وَلَكِنِّي أُحِبُّ أَنْ أُقَاتِلَهُ عَلَى عَادَتِي. قَالَ: وَكَانَ دَاوُدُ مِنْ أَرْمَى النَّاسِ بِالْمِقْلَاعِ، فَنَزَلَ وَأَخَذَ مِخْلَاتَهُ فَتَقَلَّدَهَا وَأَخَذَ مِقْلَاعَهُ وَخَرَجَ إِلَى جَالُوتَ، وَهُوَ شَاكٍ فِي سِلَاحِهِ عَلَى رَأْسِهِ بَيْضَةٌ فِيهَا ثَلَاثُمِائَةِ رِطْلٍ، فِيمَا ذَكَرَ الْمَاوَرْدِيُّ وَغَيْرُهُ، فَقَالَ لَهُ جَالُوتُ: أَنْتَ يَا فَتَى تَخْرُجُ إِلَيَّ! قَالَ نَعَمْ، قَالَ: هَكَذَا كَمَا تَخْرُجُ إِلَى الْكَلْبِ! قَالَ نَعَمْ، وَأَنْتَ أَهْوَنُ. قَالَ: لَأُطْعِمَنَّ لَحْمَكَ الْيَوْمَ لِلطَّيْرِ وَالسِّبَاعِ، ثُمَّ تَدَانَيَا وَقَصَدَ جَالُوتُ أَنْ يَأْخُذَ دَاوُدَ بِيَدِهِ اسْتِخْفَافًا بِهِ، فَأَدْخَلَ دَاوُدُ يَدَهُ إِلَى الْحِجَارَةِ، فَرُوِيَ أَنَّهَا الْتَأَمَتْ فَصَارَتْ حَجَرًا وَاحِدًا، فَأَخَذَهُ فَوَضَعَهُ فِي الْمِقْلَاعِ وَسَمَّى الله


(١). كذا في الأصول، والذي في البحر وغيره: إيشا.
(٢). كع: جبن وضعف.