للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بِالنَّصْبِ مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ، وَكَذَلِكَ فِي سُورَةِ" إِبْرَاهِيمَ"" لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خِلَالَ «١» " وَفِي" الطُّورِ"" لَا لَغْوَ فِيهَا وَلَا تَأْثِيمَ «٢» " وَأَنْشَدَ حَسَّانُ بْنُ ثَابِتٍ:

أَلَا طِعَانَ وَلَا فُرْسَانَ عَادِيَةٌ ... إِلَّا تَجَشُّؤُكُمْ عِنْدَ التَّنَانِيرِ «٣»

وَأَلِفُ الِاسْتِفْهَامِ غَيْرُ مُغَيِّرَةٍ عَمَلَ" لَا" كَقَوْلِكَ: أَلَا رَجُلَ عِنْدَكَ، وَيَجُوزُ أَلَا رَجُلَ وَلَا امْرَأَةَ كَمَا جَازَ فِي غَيْرِ الِاسْتِفْهَامِ فَاعْلَمْهُ. وَقَرَأَ الْبَاقُونَ جَمِيعَ ذَلِكَ بِالرَّفْعِ وَالتَّنْوِينِ، كَمَا قَالَ الرَّاعِيُّ:

وَمَا صَرَمْتُكِ حَتَّى قُلْتُ مُعْلِنَةً ... لَا نَاقَةٌ لِي فِي هَذَا وَلَا جَمَلُ

وَيُرْوَى" وَمَا هَجَرْتُكِ" فَالْفَتْحُ عَلَى النَّفْيِ الْعَامِّ الْمُسْتَغْرِقِ لِجَمِيعِ الْوُجُوهِ مِنْ ذَلِكَ الصِّنْفِ، كَأَنَّهُ جَوَابٌ لِمَنْ قَالَ: هَلْ فِيهِ مِنْ بَيْعٍ؟ فَسَأَلَ سُؤَالًا عَامًّا فَأُجِيبَ جَوَابًا عَامًّا بِالنَّفْيِ. وَ" لَا" مَعَ الِاسْمِ الْمَنْفِيِّ بِمَنْزِلَةِ اسْمٍ وَاحِدٍ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِالِابْتِدَاءِ، وَالْخَبَرُ" فِيهِ". وَإِنْ شِئْتَ جعلته صفة ليوم، ومن رفع جمله" لَا" بِمَنْزِلَةِ لَيْسَ. وَجَعَلَ الْجَوَابَ غَيْرَ عَامٍّ، وَكَأَنَّهُ جَوَابُ مَنْ قَالَ: هَلْ فِيهِ بَيْعٌ؟ بِإِسْقَاطِ مَنْ، فَأَتَى الْجَوَابُ غَيْرَ مُغَيِّرٍ عَنْ رَفْعِهِ، وَالْمَرْفُوعُ مُبْتَدَأٌ أَوِ اسْمُ لَيْسَ وَ" فِيهِ" الْخَبَرُ. قَالَ مَكِّيٌّ: وَالِاخْتِيَارُ الرَّفْعُ، لِأَنَّ أَكْثَرَ الْقُرَّاءِ عَلَيْهِ، وَيَجُوزُ فِي غَيْرِ الْقُرْآنِ لَا بَيْعَ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌ، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ لِرَجُلٍ مِنْ مَذْحِجٍ: هَذَا لَعَمْرُكُمُ الصِّغَارُ بِعَيْنِهِ لَا أُمَّ لِي إِنْ كَانَ ذَاكَ وَلَا أَبُ وَيَجُوزُ أَنْ تَبْنِيَ الْأَوَّلَ وَتَنْصِبَ الثَّانِي وَتُنَوِّنَهُ فَتَقُولُ: لَا رَجُلَ فِيهِ وَلَا امْرَأَةً، وَأَنْشَدَ سِيبَوَيْهِ:

لَا نَسَبَ الْيَوْمَ وَلَا خُلَّةْ ... اتَّسَعَ الْخَرْقُ على الراقع

فلا زَائِدَةٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ، الْأَوَّلُ عَطْفٌ عَلَى الْمَوْضِعِ وَالثَّانِي عَلَى اللَّفْظِ. وَوَجْهٌ خَامِسٌ أَنْ تَرْفَعَ الْأَوَّلَ وَتَبْنِيَ الثَّانِي كَقَوْلِكَ: لَا رَجُلٌ فِيهَا وَلَا امْرَأَةَ، قَالَ أُمَيَّةُ:

فَلَا لَغْوٌ وَلَا تَأْثِيمَ فِيهَا ... وَمَا فَاهُوا بِهِ أَبَدًا مُقِيمَ


(١). راجع ج ٩ ص ٣٦٦.
(٢). راجع ج ١٧ ص ٦٦
(٣). يقول هذا لبنى الحارث بن كعب ومنهم النجاشي وكان يهاجيه فجعلهم أهل نهم وحرص على الطعام لا أهل غارة وقتال. والعادية: المستطيلة. ويروى غادية (بالغين المعجمة) وهى التي تغدو للغارة، وعادية أعم لأنها تكون بالغداة وغيرها. (عن شرح الشواهد للشنتمري).