للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ) قَالَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ الصَّادِقُ رَحِمَهُمَا اللَّهُ: حَرَّمَ اللَّهُ الرِّبَا لِيَتَقَارَضَ النَّاسُ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" قَرْضُ مَرَّتَيْنِ يَعْدِلُ صَدَقَةَ مَرَّةٍ" أَخْرَجَهُ الْبَزَّارُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ هَذَا الْمَعْنَى مُسْتَوْفًى. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: حَرَّمَهُ اللَّهُ لِأَنَّهُ مَتْلَفَةٌ لِلْأَمْوَالِ مَهْلَكَةٌ لِلنَّاسِ. وَسَقَطَتْ عَلَامَةُ التَّأْنِيثِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" فَمَنْ جاءَهُ" لِأَنَّ تَأْنِيثَ" الْمَوْعِظَةِ" غَيْرُ حَقِيقِيٍّ وَهُوَ بِمَعْنَى وَعْظٍ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ" فَمَنْ جَاءَتْهُ" بِإِثْبَاتِ الْعَلَامَةِ. هَذِهِ الْآيَةُ تَلَتْهَا عَائِشَةُ لَمَّا أُخْبِرَتْ بِفِعْلِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ. رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنِ الْعَالِيَةِ بِنْتِ أَنْفَعَ قَالَتْ: خَرَجْتُ أَنَا وَأُمُّ مُحِبَّةَ إِلَى مَكَّةَ فَدَخَلْنَا عَلَى عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا فَسَلَّمْنَا عَلَيْهَا، فَقَالَتْ لَنَا: مِمَّنْ أَنْتُنَّ؟ قُلْنَا مِنْ أَهْلِ الْكُوفَةِ، قَالَتْ: فَكَأَنَّهَا أَعْرَضَتْ عَنَّا، فَقَالَتْ لَهَا أُمُّ مُحِبَّةَ: يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ! كَانَتْ لِي جَارِيَةٌ وَإِنِّي بِعْتُهَا مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ الْأَنْصَارِيِّ بِثَمَانِمِائَةِ دِرْهَمٍ إِلَى عَطَائِهِ وَإِنَّهُ أَرَادَ بَيْعَهَا فَابْتَعْتُهَا مِنْهُ بِسِتِّمِائَةِ دِرْهَمٍ نَقْدًا. قَالَتْ: فَأَقْبَلَتْ عَلَيْنَا فَقَالَتْ: بِئْسَمَا شَرَيْتِ وَمَا اشْتَرَيْتِ! فَأَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ. فَقَالَتْ لَهَا: أَرَأَيْتِ إِنْ لَمْ آخُذْ مِنْهُ إِلَّا رَأْسَ مَالِي؟ قَالَتْ:" فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ مَا سَلَفَ". الْعَالِيَةُ هِيَ زَوْجُ أَبِي إِسْحَاقَ الْهَمْدَانِيِّ الْكُوفِيِّ السَّبِيعِيِّ أُمُّ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ فِي بُيُوعِ الْآجَالِ، فَإِنْ كَانَ مِنْهَا مَا يُؤَدِّي إِلَى الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ مُنِعَ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ ظَاهِرُهُ بَيْعًا جَائِزًا. وَخَالَفَ مَالِكًا فِي هَذَا الْأَصْلِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَقَالُوا: الْأَحْكَامُ مَبْنِيَّةٌ عَلَى الظَّاهِرِ لَا عَلَى الظُّنُونِ. وَدَلِيلُنَا الْقَوْلُ بِسَدِّ الذَّرَائِعِ، فَإِنْ سَلِمَ وَإِلَّا اسْتَدْلَلْنَا عَلَى صِحَّتِهِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَهَذَا الْحَدِيثُ نَصٌّ، وَلَا تَقُولُ عَائِشَةُ" أَبْلِغِي زَيْدًا أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ" إِلَّا بِتَوْقِيفٍ، إِذْ مِثْلُهُ لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ فَإِنَّ إِبْطَالَ الْأَعْمَالِ لَا يُتَوَصَّلُ إِلَى مَعْرِفَتِهَا إِلَّا بِالْوَحْيِ كَمَا تَقَدَّمَ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٌ عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:" إِنَّ الْحَلَالَ بَيِّنٌ وَالْحَرَامَ بَيِّنٌ وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ لَا يَعْلَمُهُنَّ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ فَمَنِ اتَّقَى الشُّبُهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وَعِرْضِهِ وَمَنْ وَقَعَ فِي الشُّبُهَاتِ وَقَعَ فِي الْحَرَامِ كَالرَّاعِي يَرْعَى