للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَى الْمَوْصُوفِ، وَكَذَلِكَ" مِمَّنْ تَرْضَوْنَ" مِثْلُهُ، خِلَافَ مَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، ثُمَّ لَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مَرْضِيًّا حَتَّى يُخْتَبَرَ حَالُهُ، فَيَلْزَمُهُ أَلَّا يَكْتَفِيَ بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ. وَذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمَالِكٌ فِي رِوَايَةِ ابْنِ وَهْبٍ عَنْهُ إِلَى رَدِّ شَهَادَةِ الْبَدَوِيِّ عَلَى الْقَرَوِيِّ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ بَدَوِيٍّ عَلَى صَاحِبِ قَرْيَةٍ". وَالصَّحِيحُ جَوَازُ شَهَادَتِهِ إِذَا كَانَ عَدْلًا مَرْضِيًّا، عَلَى مَا يَأْتِي فِي" النِّسَاءِ «١» " وَ" بَرَاءَةٌ «٢» " إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَرْقٌ بَيْنَ الْقَرَوِيِّ فِي الْحَضَرِ أَوِ السَّفَرِ، وَمَتَى كَانَ فِي السَّفَرِ فَلَا خِلَافَ فِي [قَبُولِهِ «٣»]. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الْعَدَالَةُ هِيَ الِاعْتِدَالُ فِي الْأَحْوَالِ الدِّينِيَّةِ، وَذَلِكَ يَتِمُّ بِأَنْ يَكُونَ مُجْتَنِبًا لِلْكَبَائِرِ مُحَافِظًا عَلَى مُرُوءَتِهِ وَعَلَى تَرْكِ الصَّغَائِرِ، ظَاهِرَ الْأَمَانَةِ غَيْرَ مُغَفَّلٍ. وَقِيلَ: صَفَاءُ السَّرِيرَةِ وَاسْتِقَامَةُ السِّيرَةِ فِي ظَنِّ الْمُعَدِّلِ، وَالْمَعْنَى مُتَقَارِبٌ. الثَّالِثَةُ وَالثَّلَاثُونَ- لَمَّا كَانَتِ الشَّهَادَةُ وِلَايَةً عَظِيمَةً وَمَرْتَبَةً مُنِيفَةً، وَهِيَ قَبُولُ قَوْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْغَيْرِ، شَرَطَ تَعَالَى فِيهَا الرِّضَا وَالْعَدَالَةَ. فَمِنْ حُكْمِ الشَّاهِدِ أَنْ تَكُونَ لَهُ شَمَائِلُ يَنْفَرِدُ بِهَا وَفَضَائِلُ يَتَحَلَّى بِهَا حَتَّى تَكُونَ لَهُ مَزِيَّةٌ عَلَى غَيْرِهِ، تُوجِبُ لَهُ تِلْكَ الْمَزِيَّةُ رُتْبَةَ الِاخْتِصَاصِ بِقَبُولِ قَوْلِهِ، وَيُحْكَمُ بِشُغْلِ ذَمِّهِ الْمَطْلُوبِ بِشَهَادَتِهِ. وَهَذَا أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى جَوَازِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِدْلَالِ بِالْأَمَارَاتِ وَالْعَلَامَاتِ عِنْدَ عُلَمَائِنَا عَلَى مَا خَفِيَ مِنَ الْمَعَانِي وَالْأَحْكَامِ. وَسَيَأْتِي لِهَذَا فِي سُورَةِ" يُوسُفَ «٤» " زِيَادَةُ بَيَانٍ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَفِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى تَفْوِيضِ الْأَمْرِ إِلَى اجْتِهَادِ الْحُكَّامِ، فَرُبَّمَا تَفَرَّسَ فِي الشَّاهِدِ غَفْلَةً أَوْ رِيبَةً فَيَرُدُّ شَهَادَتَهُ لِذَلِكَ. الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ- قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُكْتَفَى بِظَاهِرِ الْإِسْلَامِ فِي الْأَمْوَالِ دون الحدود. وهذه مناقضة تُسْقِطُ كَلَامَهُ وَتُفْسِدُ عَلَيْهِ مَرَامَهُ، لِأَنَّنَا نَقُولُ: حَقٌّ مِنَ الْحُقُوقِ. فَلَا يُكْتَفَى فِي الشَّهَادَةِ عَلَيْهِ بِظَاهِرِ الدَّيْنِ كَالْحُدُودِ، قَالَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ. الخامسة والثلاثين- وَإِذْ قَدْ شَرَطَ اللَّهُ تَعَالَى الرِّضَا وَالْعَدَالَةَ فِي الْمُدَايَنَةِ كَمَا بَيَّنَّا فَاشْتِرَاطُهَا فِي النِّكَاحِ أَوْلَى، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ النكاح ينعقد بشهادة فاسقين. فنفى


(١). راجع ج ٥ ص ٤١٢.
(٢). راجع ج ٨ ص ٢٣٢.
(٣). كذا في ط. وفى باقى الأصول: فلا خلاف في قوله.
(٤). راجع ح ٩ ص ١٧٣ فما بعد وص ٢٤٥.