للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْعَاشِرَةُ- لَمَّا قَالَ تَعَالَى:" مَقْبُوضَةٌ" قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِيهِ مَا يَقْتَضِي بِظَاهِرِهِ وَمُطْلَقِهِ جَوَازَ رَهْنِ الْمُشَاعِ «١». خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَصْحَابِهِ، لَا يَجُوزُ عِنْدَهُمْ أَنْ يُرْهِنَهُ ثُلُثَ دَارٍ وَلَا نِصْفًا مِنْ عَبْدٍ وَلَا سَيْفٍ، ثُمَّ قَالُوا: إِذَا كَانَ لِرَجُلَيْنِ عَلَى رَجُلٍ مَالٌ هُمَا فِيهِ شَرِيكَانِ فَرَهَنَهُمَا بِذَلِكَ أَرْضًا فَهُوَ جَائِزٌ إِذَا قَبَضَاهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَهَذَا إِجَازَةُ رَهْنِ الْمُشَاعِ، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مُرْتَهِنُ نِصْفِ دَارٍ «٢». قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: رَهْنُ الْمُشَاعِ جَائِزٌ كَمَا يَجُوزُ بَيْعُهُ. الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- وَرَهْنُ مَا فِي الذِّمَّةِ جَائِزٌ عِنْدَ عُلَمَائِنَا، لِأَنَّهُ مَقْبُوضٌ خِلَافًا لِمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ، وَمِثَالُهُ رَجُلَانِ تَعَامَلَا لِأَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ دَيْنٌ فَرَهَنَهُ دَيْنَهُ الَّذِي عليه. قال ابن خويز منداد: وَكُلُّ عَرْضٍ جَازَ بَيْعُهُ جَازَ رَهْنُهُ، وَلِهَذِهِ الْعِلَّةِ جَوَّزْنَا رَهْنَ مَا فِي الذِّمَّةِ، لِأَنَّ بَيْعَهُ جَائِزٌ، وَلِأَنَّهُ مَالٌ تَقَعُ الْوَثِيقَةُ بِهِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ رَهْنًا، قِيَاسًا عَلَى سِلْعَةٍ مَوْجُودَةٍ. وَقَالَ مَنْ مَنَعَ ذَلِكَ: لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ إِقْبَاضُهُ وَالْقَبْضُ شَرْطٌ فِي لُزُومِ الرَّهْنِ، لأنه لا بد أَنْ يُسْتَوْفَى الْحَقُّ مِنْهُ عِنْدَ الْمَحِلِّ، وَيَكُونُ الِاسْتِيفَاءُ مِنْ مَالِيَّتِهِ لَا مِنْ عَيْنِهِ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الدَّيْنِ. الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ- رَوَى الْبُخَارِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الظَّهْرُ يُرْكَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ بِنَفَقَتِهِ إِذَا كَانَ مَرْهُونًا وَعَلَى الَّذِي يَرْكَبُ وَيَشْرَبُ النَّفَقَةُ". وَأَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ وَقَالَ بَدَلَ" يُشْرَبُ" فِي الْمَوْضِعَيْنِ:" يُحْلَبُ". قَالَ الْخَطَّابِيُّ: هَذَا كَلَامٌ مُبْهَمٌ لَيْسَ فِي نَفْسِ اللَّفْظِ بَيَانُ مَنْ يَرْكَبُ وَيَحْلُبُ، هَلِ الرَّاهِنُ أَوِ الْمُرْتَهِنُ أَوِ الْعَدْلُ الْمَوْضُوعُ عَلَى يَدِهِ الرَّهْنُ؟. قُلْتُ: قَدْ جَاءَ ذَلِكَ مُبَيَّنًا مُفَسَّرًا فِي حَدِيثَيْنِ، وَبِسَبَبِهِمَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي ذَلِكَ، فَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" إِذَا كَانَتِ الدَّابَّةُ مَرْهُونَةً فَعَلَى الْمُرْتَهِنِ عَلْفُهَا وَلَبَنُ الدَّرِّ يُشْرَبُ وَعَلَى الَّذِي يَشْرَبُ نَفَقَتُهُ". أَخْرَجَهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْعَلَاءِ حَدَّثَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ حَدَّثَنَا زَكَرِيَّا عَنِ الشَّعْبِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَهُوَ قَوْلُ أَحْمَدَ وَإِسْحَاقَ: أَنَّ الْمُرْتَهِنَ يَنْتَفِعُ مِنَ الرَّهْنِ بِالْحَلْبِ وَالرُّكُوبِ بِقَدْرِ النَّفَقَةِ. وَقَالَ أَبُو ثَوْرٍ: إِذَا كَانَ الرَّاهِنُ يُنْفِقُ عَلَيْهِ لَمْ يَنْتَفِعْ بِهِ الْمُرْتَهِنُ. وَإِنْ كَانَ الرَّاهِنُ لَا يُنْفِقُ عَلَيْهِ وَتَرَكَهُ


(١). في هـ: المتاع.
(٢). كذا في الأصول، ينبغي: نصف أرض.