للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

برهرهة رودة رَخْصَةٌ كَخُرْعُوبَةِ الْبَانَةِ الْمُنْفَطِرْ «١» وَلَمْ يَقُلِ الْمُنْفَطِرَةَ، لِأَنَّهُ ذَهَبَ إِلَى الْقَضِيبِ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: ذَكَرَهُ لِأَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا بِالصِّفَةِ، فَلَمَّا حَالَتِ الصِّفَةُ بَيْنَ الِاسْمِ وَالْفِعْلِ ذَكَرَ الْفِعْلَ. وَقَدْ مَضَى هَذَا الْمَعْنَى فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلُهُ تَعَالَى:" كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ" «٢». (فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا) يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ وَالْمُشْرِكِينَ يَوْمَ بَدْرٍ (فِئَةٌ) قَرَأَ الْجُمْهُورُ (فِئَةٌ) بِالرَّفْعِ، بِمَعْنَى إِحْدَاهُمَا فِئَةٌ. وَقَرَأَ الْحَسَنُ وَمُجَاهِدٌ" فِئَةٍ" بِالْخَفْضِ" وَأُخْرى كافِرَةٌ" عَلَى الْبَدَلِ. وَقَرَأَ ابْنُ أَبِي عَبْلَةَ بِالنَّصْبِ فِيهِمَا. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: وَيَجُوزُ النَّصْبُ عَلَى الْحَالِ، أَيِ الْتَقَتَا مُخْتَلِفَتَيْنِ مُؤْمِنَةً وَكَافِرَةً. قَالَ الزَّجَّاجُ: النَّصْبُ بِمَعْنَى أَعْنِي. وَسُمِّيَتِ الْجَمَاعَةُ مِنَ النَّاسِ فِئَةً لِأَنَّهَا يُفَاءُ إِلَيْهَا، أَيْ يُرْجَعُ إِلَيْهَا فِي وَقْتِ الشِّدَّةِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْفِئَةُ الْفِرْقَةُ، مَأْخُوذَةٌ مِنْ فَأَوْتُ رَأْسَهُ بِالسَّيْفِ- وَيُقَالُ: فَأَيْتُهُ- إِذَا فَلَقْتُهُ «٣». وَلَا خِلَافَ أَنَّ الْإِشَارَةَ بِهَاتَيْنِ الْفِئَتَيْنِ هِيَ إِلَى يَوْمِ بَدْرٍ. وَاخْتُلِفَ مَنِ الْمُخَاطَبُ بِهَا، فَقِيلَ: يَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا الْمُؤْمِنُونَ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا جَمِيعُ الْكُفَّارِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُخَاطَبَ بِهَا يَهُودُ الْمَدِينَةِ، وَبِكُلِّ احْتِمَالٍ مِنْهَا قَدْ قَالَ قَوْمٌ. وَفَائِدَةُ الْخِطَابِ لِلْمُؤْمِنِينَ تَثْبِيتُ النُّفُوسِ وَتَشْجِيعُهَا حَتَّى يَقْدَمُوا عَلَى مِثْلَيْهِمْ وَأَمْثَالِهِمْ كَمَا قَدْ وَقَعَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ) قَالَ أَبُو عَلِيٍّ: الرُّؤْيَةُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ رُؤْيَةُ عَيْنٍ، وَلِذَلِكَ تَعَدَّتْ إِلَى مَفْعُولٍ وَاحِدٍ. قَالَ مَكِّيٌّ وَالْمَهْدَوِيُّ: يَدُلُّ عَلَيْهِ" رَأْيَ الْعَيْنِ". وَقَرَأَ نَافِعٌ" تَرَوْنَهُمْ" بِالتَّاءِ وَالْبَاقُونَ بِالْيَاءِ «٤»." مِثْلَيْهِمْ" نُصْبٌ عَلَى الْحَالِ مِنَ الْهَاءِ وَالْمِيمِ فِي" تَرَوْنَهُمْ". وَالْجُمْهُورُ مِنَ النَّاسِ عَلَى أَنَّ الْفَاعِلَ بِتَرَوْنَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ، وَالضَّمِيرَ الْمُتَّصِلَ هُوَ للكفار. وأنكر أبو عمرو أن يقرأ


(١). البرهرهة: الرقيقة الجلد، أو هي الملساء المترجرجة. والرؤدة والرءودة: الشابة الحسنة الشريعة الشباب مع حسن غذا .. والرخصة: اللينة الخلق. والخرعوبة: القضيب الغضى اللدن. والبانة: واحد شجر البان، والمنفطر: المتشقق. يقال قد انفطر العود إذا انشق وأخرج ورقه. (عن شرح الديوان). [ ..... ]
(٢). راجع ج ٢ ص ٢٥٧، وص ٢٦٨.
(٣). الذي في نسخ: اوب وج: قلعته، والمثبت ما في المعاجم.
(٤). الذي في تفسير النيسابوري:" تروتهم بتاء الخطاب أبو جعفر ونافع وسهل ويعقوب الباقون بالياء".