للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا ذَكَرْنَا. وَالْأَصْلُ فِي الْقَبُولِ الضَّمُّ، لِأَنَّهُ مَصْدَرٌ مِثْلُ الدُّخُولِ وَالْخُرُوجِ، وَالْفَتْحُ جَاءَ فِي حُرُوفٍ قَلِيلَةٍ، مِثْلِ الْوَلُوعِ وَالْوَزُوعِ، هَذِهِ الثَّلَاثَةُ لا غير، قال أبو عمرو الكسائي وَالْأَئِمَّةُ. وَأَجَازَ الزَّجَّاجُ" بِقُبُولٍ" بِضَمِّ الْقَافِ عَلَى الأصل. قوله تعالى (وَكَفَّلَها زَكَرِيَّا) أي صمها إِلَيْهِ. أَبُو عُبَيْدَةَ: ضَمِنَ الْقِيَامَ بِهَا. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ" وَكَفَّلَها" بِالتَّشْدِيدِ، فَهُوَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ، وَالتَّقْدِيرُ وَكَفَّلَهَا رَبُّهَا زَكَرِيَّا، أَيْ أَلْزَمَهُ كَفَالَتَهَا وَقَدَّرَ ذَلِكَ عَلَيْهِ وَيَسَّرَهُ لَهُ. وَفِي مُصْحَفِ أبي" وَكَفَّلَها" وَالْهَمْزَةُ كَالتَّشْدِيدِ فِي التَّعَدِّي، وَأَيْضًا فَإِنَّ قَبْلَهُ" فَتَقَبَّلَها"،" وَأَنْبَتَها" فَأَخْبَرَ تَعَالَى عَنْ نَفْسِهِ بِمَا فَعَلَ بِهَا، فَجَاءَ" كَفَّلَها" بِالتَّشْدِيدِ عَلَى ذَلِكَ. وَخَفَّفَهُ الْبَاقُونَ عَلَى إِسْنَادِ الْفِعْلِ إِلَى زَكَرِيَّا. فَأَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ هُوَ الَّذِي تَوَلَّى كَفَالَتَهَا وَالْقِيَامَ بها، بدلالة قوله:" أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ" [آل عمران: ٤٤]. قَالَ مَكِّيٌّ: وَهُوَ الِاخْتِيَارُ، لِأَنَّ التَّشْدِيدَ يَرْجِعُ إِلَى التَّخْفِيفِ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا كَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كَفَلَهَا بِأَمْرِ اللَّهِ، وَلِأَنَّ زَكَرِيَّا إِذَا كَفَلَهَا فَعَنْ مَشِيئَةِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ، فَعَلَى ذَلِكَ فَالْقِرَاءَتَانِ مُتَدَاخِلَتَانِ. وَرَوَى عَمْرُو بْنُ مُوسَى عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَثِيرٍ وَأَبِي عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ" وَكَفِلَهَا" بِكَسْرِ الْفَاءِ. قَالَ الْأَخْفَشُ: يُقَالُ كَفَلَ يَكْفُلُ وَكَفِلَ يَكْفِلُ وَلَمْ أَسْمَعْ كَفُلَ، وَقَدْ ذُكِرَتْ. وَقَرَأَ مُجَاهِدٌ" فَتَقَبَّلْهَا" بِإِسْكَانِ اللَّامِ عَلَى الْمَسْأَلَةِ وَالطَّلَبِ." رَبَّهَا" بِالنَّصْبِ نِدَاءٌ مُضَافٌ." وَأَنْبَتْهَا" بِإِسْكَانِ التَّاءِ" وَكَفَّلْهَا" بِإِسْكَانِ اللَّامِ" زَكَرِيَّاءَ" بِالْمَدِّ وَالنَّصْبِ. وَقَرَأَ حَفْصٌ وَحَمْزَةُ وَالْكِسَائِيُّ" زَكَرِيَّا" بغير مد ولا همز، وَمَدَّهُ الْبَاقُونَ وَهَمَزُوهُ. وَقَالَ الْفَرَّاءُ: أَهْلُ الْحِجَازِ يمدون" ز كرياء" وَيَقْصُرُونَهُ، وَأَهْلُ نَجْدٍ يَحْذِفُونَ مِنْهُ الْأَلِفَ وَيَصْرِفُونَهُ فَيَقُولُونَ: زَكَرِيُّ. قَالَ الْأَخْفَشُ: فِيهِ أَرْبَعُ لُغَاتٍ: الْمَدُّ وَالْقَصْرُ، وَزَكَرِيٌّ بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ وَالصَّرْفِ، وَزَكَرٍ وَرَأَيْتُ زَكَرِيَّا. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: زَكَرِيَّ بِلَا صَرْفٍ لِأَنَّهُ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا غَلَطٌ، لِأَنَّ مَا كَانَ فِيهِ" يَا" مِثْلَ هَذَا انْصَرَفَ مِثْلَ كُرْسِيٍّ وَيَحْيَى، وَلَمْ يَنْصَرِفْ زَكَرِيَّاءُ فِي الْمَدِّ وَالْقَصْرِ لِأَنَّ فِيهِ أَلِفَ تَأْنِيثٍ وَالْعُجْمَةَ وَالتَّعْرِيفَ.