للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا دَخَلَهُ الْأَنْبِيَاءُ وَالْأَوْلِيَاءُ كَانَ آمِنًا مِنْ عَذَابِهِ. وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (مَنْ حَجَّ فَلَمْ يَرْفُثْ وَلَمْ يَفْسُقْ خَرَجَ مِنْ ذنوبه كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ). قَالَ الْحَسَنُ: الْحَجُّ الْمَبْرُورُ هُوَ أَنْ يَرْجِعَ زَاهِدًا فِي الدُّنْيَا رَاغِبًا فِي الْآخِرَةِ. وَأَنْشَدَ:

يَا كَعْبَةَ اللَّهِ دَعْوَةَ اللَّاجِي ... دَعْوَةَ مُسْتَشْعِرٍ وَمُحْتَاجِ

وَدَّعَ أَحْبَابَهُ وَمَسْكَنَهُ ... فَجَاءَ مَا بَيْنَ خَائِفٍ رَاجِي «١»

إِنْ يَقْبَلِ اللَّهُ سَعْيَهُ كَرَمًا ... نَجَا، وَإِلَّا فَلَيْسَ بِالنَّاجِي

وَأَنْتَ مِمَّنْ تُرْجَى شَفَاعَتُهُ ... فَاعْطِفْ عَلَى وَافِدِ بْنِ حَجَّاجِ

وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَمَنْ دَخَلَهُ عَامَ عُمْرَةِ الْقَضَاءِ مَعَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ آمِنًا. دَلِيلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ" [الفتح: ٢٧] «٢». وقد قيل: إن" مَنْ" ها هنا لِمَنْ لَا يَعْقِلُ، وَالْآيَةُ فِي أَمَانِ الصَّيْدِ، وَهُوَ شَاذٌّ، وَفِي التَّنْزِيلِ:" فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ" [النور: ٤٥] «٣» الْآيَةَ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ) فِيهِ تِسْعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ) اللَّامُ فِي قَوْلِهِ" وَلِلَّهِ" لَامُ الْإِيجَابِ وَالْإِلْزَامِ، ثُمَّ أَكَّدَهُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: (عَلَى) الَّتِي هِيَ مِنْ أَوْكَدِ أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ عِنْدَ الْعَرَبِ، فَإِذَا قَالَ الْعَرَبِيُّ: لِفُلَانٍ عَلَيَّ كَذَا، فَقَدْ وَكَّدَهُ وَأَوْجَبَهُ. فَذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى الْحَجَّ [بِأَبْلَغِ] «٤» أَلْفَاظِ الْوُجُوبِ تَأْكِيدًا لِحَقِّهِ وَتَعْظِيمًا لِحُرْمَتِهِ. وَلَا خِلَافَ فِي فَرِيضَتِهِ «٥»، وَهُوَ أَحَدُ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ، وَلَيْسَ يَجِبُ إِلَّا مَرَّةً فِي الْعُمْرِ. وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ: يَجِبُ فِي كُلِّ خَمْسَةِ أَعْوَامٍ [مَرَّةً] «٦»، وَرَوَوْا فِي ذَلِكَ حَدِيثًا أَسْنَدُوهُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَالْحَدِيثُ بَاطِلٌ لَا يَصِحُّ، وَالْإِجْمَاعُ صَادٌّ فِي وُجُوهِهِمْ. قُلْتُ: وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ [الثَّوْرِيُّ] «٧» عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يقول الرب عز وجل إِنَّ عَبْدًا أَوْسَعْتُ عَلَيْهِ فِي الرِّزْقِ فَلَمْ يَعُدْ إِلَيَّ فِي كُلِّ أَرْبَعَةِ أَعْوَامٍ لَمَحْرُومٌ) مَشْهُورٌ مِنْ حَدِيثِ الْعَلَاءِ بْنِ الْمُسَيَّبِ بْنِ رَافِعٍ الْكَاهِلِيِّ الْكُوفِيِّ مِنْ أَوْلَادِ الْمُحَدِّثِينَ، رَوَى عَنْهُ غَيْرُ وَاحِدٍ، مِنْهُمْ مَنْ قَالَ: فِي كل خمسة أعوام،


(١). في د: ما بين خائفة والراجي.
(٢). راجع ج ١٦ ص ٢٨٩.
(٣). راجع ج ١٢ ص ٢٩١.
(٤). في د وب وز وه. وفي أ: بأوك. [ ..... ]
(٥). في د وب: فرضيته.
(٦). في ب ود.
(٧). في د.