للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَيَخِرُّ الْمُؤْمِنُونَ سُجَّدًا لِلَّهِ تَعَالَى، فَتَصِيرُ وُجُوهُهُمْ مِثْلَ الثَّلْجِ بَيَاضًا، وَيَبْقَى الْمُنَافِقُونَ وَأَهْلُ الْكِتَابِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى السُّجُودِ فَيَحْزَنُوا وَتَسْوَدُّ وُجُوهُهُمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ". وَيَجُوزُ" تِبْيَضُّ وَتِسْوَدُّ" بِكَسْرِ التَّائَيْنِ، لِأَنَّكَ تَقُولُ: ابْيَضَّتْ، فَتُكْسَرُ التَّاءُ كَمَا تُكْسَرُ الْأَلِفُ، وَهِيَ لُغَةُ تَمِيمٍ وَبِهَا قَرَأَ يَحْيَى بْنُ وَثَّابٍ. وَقَرَأَ الزُّهْرِيُّ" يَوْمَ تَبْيَاضُّ وَتَسْوَادُّ" وَيَجُوزُ كَسْرُ التَّاءِ أَيْضًا، وَيَجُوزُ" يَوْمَ يَبْيَضُّ وُجُوهٌ" بِالْيَاءِ عَلَى تَذْكِيرِ الْجَمْعِ، وَيَجُوزُ" أَجْوُهٌ" مِثْلَ" أَقْتُتٌ". وَابْيِضَاضُ الْوُجُوهِ إِشْرَاقُهَا بِالنَّعِيمِ. وَاسْوِدَادُهَا هُوَ ما يرهقها من العذاب الأليم. وَاخْتَلَفُوا فِي التَّعْيِينِ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ. قُلْتُ: وَقَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ هَذَا رَوَاهُ مَالِكُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْهَرَوِيُّ أَخُو غَسَّانَ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى" يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ" قَالَ: (يَعْنِي تَبْيَضُّ وُجُوهُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ أَهْلِ الْبِدْعَةِ) ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ «١» أَحْمَدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ ثَابِتٍ الْخَطِيبُ. وَقَالَ فِيهِ: مُنْكَرٌ مِنْ حَدِيثِ مَالِكٍ. قَالَ عَطَاءٌ: تَبْيَضُّ وُجُوهُ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ، وَتَسْوَدُّ وُجُوهُ بَنِي قُرَيْظَةَ وَالنَّضِيرِ. وَقَالَ أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ: الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ هُمُ الْكُفَّارُ، وَقِيلَ لَهُمْ: أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ لِإِقْرَارِكُمْ حِينَ أُخْرِجْتُمْ مِنْ ظَهْرِ آدَمَ كَالذَّرِّ. هَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. الْحَسَنُ: الْآيَةُ فِي الْمُنَافِقِينَ. قَتَادَةُ هِيَ فِي الْمُرْتَدِّينَ. عِكْرِمَةُ: هُمْ «٢» قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ كَانُوا مُصَدِّقِينَ بِأَنْبِيَائِهِمْ مُصَدِّقِينَ بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يُبْعَثَ فَلَمَّا بُعِثَ عَلَيْهِ السَّلَامُ كَفَرُوا بِهِ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ:" أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ" وَهُوَ اخْتِيَارُ الزَّجَّاجِ. مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: هِيَ فِي أَهْلِ الْأَهْوَاءِ. أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: هِيَ فِي الْحَرُورِيَّةِ. وَفِي خَبَرٍ آخَرَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ:" هِيَ فِي الْقَدَرِيَّةِ". رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي غَالِبٍ قَالَ: رَأَى أَبُو أُمَامَةَ رُءُوسًا مَنْصُوبَةً عَلَى بَابِ دِمَشْقَ «٣»، فَقَالَ


(١). كذا في دوب وهو في ز: أبو بكر محمد.
(٢). في هـ ود: هؤلاء قوم.
(٣). في صحيح الترمذي:" على درج مسجد دمشق"، في د وهـ: على برج دمشق.