للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقَالَ آخَرُ:

كَأَيِّنْ أَبَدْنَا مِنْ عَدُوٍّ بِعِزِّنَا ... وَكَائِنْ أَجَرْنَا مِنْ ضَعِيفٍ وَخَائِفِ

فَجَمَعَ بَيْنَ لُغَتَيْنِ: كَأَيِّنْ وَكَائِنْ، وَلُغَةٌ خَامِسَةٌ كَيْئِنْ مِثْلَ كيعن، وكأنه مخفف من كيئ مَقْلُوبِ كَأَيِّنْ. وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَوْهَرِيُّ غَيْرَ لُغَتَيْنِ: كَائِنْ مِثْلَ كَاعِنْ، وَكَأَيِّنْ مِثْلَ كَعَيِّنْ، تَقُولُ كَأَيِّنْ رَجُلًا لَقِيتُ، بِنَصْبِ مَا بَعْدَ كَأَيِّنْ عَلَى التَّمْيِيزِ. وَتَقُولُ أَيْضًا: كَأَيِّنْ مِنْ رَجُلٍ لَقِيتُ، وَإِدْخَالُ مِنْ بَعْدَ كَأَيِّنْ أَكْثَرُ مِنَ النصب بها وأجود. وبكائن تَبِيعُ هَذَا الثَّوْبَ؟ أَيْ بِكَمْ تَبِيعُ، قَالَ ذُو الرُّمَّةِ:

وَكَائِنْ ذَعَرْنَا مِنْ مَهَاةٍ وَرَامِحٍ ... بِلَادُ الْعِدَا «١» لَيْسَتْ لَهُ بِبِلَادِ

قَالَ النَّحَّاسُ: وَوَقَفَ أَبُو عَمْرٍو" وَكَأَيْ" بِغَيْرِ نُونٍ، لِأَنَّهُ تنوين. وروى ذلك سورة ابن الْمُبَارَكِ عَنِ الْكِسَائِيِّ. وَوَقَفَ الْبَاقُونَ بِالنُّونِ اتِّبَاعًا لِخَطِ الْمُصْحَفِ. وَمَعْنَى الْآيَةِ تَشْجِيعُ الْمُؤْمِنِينَ، وَالْأَمْرُ بِالِاقْتِدَاءِ بِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ خِيَارِ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، أَيْ كَثِيرٌ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كثير، أو كثير من الأنبياء قالوا فَمَا ارْتَدَّ أُمَمُهُمْ، قَوْلَانِ: الْأَوَّلُ لِلْحَسَنِ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ الْحَسَنُ: مَا قُتِلَ نَبِيٌّ فِي حَرْبٍ قَطُّ. وَقَالَ ابْنُ جُبَيْرٍ: مَا سَمِعْنَا أَنَّ نَبِيًّا قُتِلَ فِي الْقِتَالِ. وَالثَّانِي عَنْ قَتَادَةَ وَعِكْرِمَةَ. وَالْوَقْفُ- عَلَى هَذَا الْقَوْلِ- عَلَى" قُتِلَ" جَائِزٌ، وَهِيَ قِرَاءَةُ نَافِعٍ وَابْنِ جُبَيْرٍ وَأَبِي عَمْرٍو وَيَعْقُوبَ. وَهِيَ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَاخْتَارَهَا أَبُو حَاتِمٍ. وَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ" قُتِلَ" وَاقِعًا عَلَى النَّبِيِّ وَحْدَهُ، وَحِينَئِذٍ يَكُونُ تَمَامُ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ" قُتِلَ" وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ إِضْمَارٌ، أَيْ وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ، كَمَا يُقَالُ: قُتِلَ الْأَمِيرُ مَعَهُ جَيْشٌ عَظِيمٌ، أَيْ وَمَعَهُ جَيْشٌ. وَخَرَجْتُ مَعِي تِجَارَةٌ، أَيْ وَمَعِي. الْوَجْهُ الثَّانِي أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ نَالَ النَّبِيَّ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ، وَيَكُونَ وَجْهُ الْكَلَامِ قُتِلَ بَعْضُ مَنْ كَانَ مَعَهُ، تَقُولُ الْعَرَبُ: قَتَلْنَا بَنِي تَمِيمٍ وَبَنِي سَلِيمٍ، وَإِنَّمَا قَتَلُوا بَعْضَهُمْ. وَيَكُونُ قَوْلُهُ" فَما وَهَنُوا" رَاجِعًا إِلَى مَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ. قُلْتُ: وَهَذَا الْقَوْلُ أَشْبَهُ بِنُزُولِ الْآيَةِ وَأَنْسَبُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُقْتَلْ، وَقُتِلَ مَعَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَصْحَابِهِ. وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ وَابْنُ عامر" قاتَلَ" وهي قراءة


(١). كذا في الأصول المهاة: البقرة الوحشية. والرامح: الثور الوحشي، لان قرنه بمنزلة الرمح فهو رامح: والمعنى لا يقيم مع الانس في مكان. الذي في ديوانه:" بلاد الورى ليست له ببلاد".