للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْآيَةُ عَلَى ثُبُوتِ الْوَصِيِّ وَالْوَلِيِّ وَالْكَفِيلِ لِلْأَيْتَامِ. وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ إِلَى الْمُسْلِمِ الْحُرِّ الثِّقَةِ الْعَدْلِ جَائِزَةٌ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ إِلَى الْمَرْأَةِ الْحُرَّةِ، فَقَالَ عَوَامُّ أَهْلِ الْعِلْمِ: الْوَصِيَّةُ لَهَا جَائِزَةٌ. وَاحْتَجَّ أَحْمَدُ بِأَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَوْصَى إِلَى حَفْصَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ أَنَّهُ قَالَ فِي رَجُلٍ أَوْصَى إِلَى امْرَأَتِهِ قَالَ: لَا تَكُونُ الْمَرْأَةُ وَصِيًّا، فَإِنْ فُعِلَ حُوِّلَتْ إِلَى رَجُلٍ مِنْ قَوْمِهِ. وَاخْتَلَفُوا فِي الْوَصِيَّةِ إِلَى الْعَبْدِ، فَمَنَعَهُ الشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ وَمُحَمَّدٌ وَيَعْقُوبُ. وَأَجَازَهُ مَالِكٌ «١» وَالْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ. وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيِّ إِذَا أَوْصَى إِلَى عَبْدِهِ. وَقَدْ مَضَى الْقَوْلُ فِي هَذَا فِي (الْبَقَرَةِ «٢») مُسْتَوْفًى. الثَّانِيةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (السُّفَهاءَ) قَدْ مَضَى فِي (الْبَقَرَةِ) مَعْنَى السَّفَهِ «٣» لُغَةً. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي هَؤُلَاءِ السُّفَهَاءِ، مَنْ هُمْ؟ فَرَوَى سَالِمٌ الْأَفْطَسُ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: هُمُ الْيَتَامَى لَا تُؤْتُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَهَذَا مِنْ أَحْسَنِ مَا قِيلَ فِي الْآيَةِ. وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ أَبِي خَالِدٍ عَنْ أَبِي مَالِكٍ قَالَ: هُمُ الْأَوْلَادُ الصِّغَارُ، لَا تُعْطُوهُمْ أَمْوَالَكُمْ فيفسدوها وتبقوا بلا شي. وَرَوَى سُفْيَانُ عَنْ حُمَيْدٍ الْأَعْرَجِ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: هُمُ النِّسَاءُ. قَالَ النَّحَّاسُ وَغَيْرُهُ: وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ، إِنَّمَا تَقُولُ الْعَرَبُ فِي النِّسَاءِ سَفَائِهُ أَوْ سَفِيهَاتٌ، لِأَنَّهُ الْأَكْثَرُ فِي جَمْعِ فَعِيلَةٍ. وَيُقَالُ: لَا تَدْفَعْ مَالَكَ مُضَارَبَةً وَلَا إِلَى وَكِيلٍ لَا يُحْسِنُ التِّجَارَةَ. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ لَمْ يَتَفَقَّهْ فَلَا يَتَّجِرْ فِي سُوقِنَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) يَعْنِي الْجُهَّالَ بِالْأَحْكَامِ. وَيُقَالُ: لَا تَدْفَعْ إِلَى الْكُفَّارِ، وَلِهَذَا كَرِهَ الْعُلَمَاءُ أَنْ يُوَكِّلَ الْمُسْلِمُ ذِمِّيًّا بِالشِّرَاءِ وَالْبَيْعِ، أَوْ يَدْفَعَ «٤» إِلَيْهِ مُضَارَبَةً. وَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: السُّفَهَاءُ هُنَا كُلُّ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْحَجْرَ. وَهَذَا جَامِعٌ. وَقَالَ ابْنُ خُوَيْزِ مَنْدَادُ: وَأَمَّا الْحَجْرُ عَلَى السَّفِيهِ فَالسَّفِيهُ لَهُ أَحْوَالٌ: حَالٌ يُحْجَرُ عَلَيْهِ لِصِغَرِهِ، وَحَالَةٌ لِعَدَمِ عَقْلِهِ بِجُنُونٍ أَوْ غَيْرِهِ، وَحَالَةٌ لِسُوءِ نَظَرِهِ لِنَفْسِهِ فِي مَالِهِ. فَأَمَّا الْمُغْمَى عَلَيْهِ فَاسْتَحْسَنَ مَالِكٌ أَلَّا يُحْجَرَ عَلَيْهِ لِسُرْعَةِ زَوَالِ مَا بِهِ. وَالْحَجْرُ يَكُونُ مَرَّةً فِي حَقِّ الْإِنْسَانِ وَمَرَّةً فِي حَقِّ غَيْرِهِ، فَأَمَّا الْمَحْجُورُ عليه في حق نفسه من


(١). سقط من ط.
(٢). راجع ج ٢ ص ٢٥٧ وما بعدها.
(٣). راجع ج ١ ص ٢٠٥.
(٤). في ز: يدفعه.