للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

دُخُولِ زَوْجِهَا مِنْ مُضِيِّ مُدَّةٍ مِنَ الزَّمَانِ تُمَارِسُ فِيهَا الْأَحْوَالَ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَذَكَرَ علماؤها فِي تَحْدِيدِهَا أَقْوَالًا عَدِيدَةً، مِنْهَا الْخَمْسَةُ الْأَعْوَامُ وَالسِّتَّةُ وَالسَّبْعَةُ فِي ذَاتِ الْأَبِ. وَجَعَلُوا فِي الْيَتِيمَةِ الَّتِي لَا أَبَ لَهَا وَلَا وَصِيَّ عَلَيْهَا عَامًا وَاحِدًا بَعْدَ الدُّخُولِ، وَجَعَلُوا فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا مُؤَبَّدًا حَتَّى يَثْبُتَ رُشْدُهَا. وَلَيْسَ فِي هَذَا كُلِّهِ دَلِيلٌ، وَتَحْدِيدُ الْأَعْوَامِ فِي ذَاتِ الْأَبِ عَسِيرٌ، وَأَعْسَرُ مِنْهُ تَحْدِيدُ الْعَامِ فِي الْيَتِيمَةِ. وَأَمَّا تَمَادِي الْحَجْرِ فِي الْمُوَلَّى عَلَيْهَا حَتَّى يَتَبَيَّنَ رُشْدُهَا فَيُخْرِجُهَا الْوَصِيُّ عَنْهُ، أَوْ يُخْرِجُهَا الْحَكَمُ مِنْهُ فَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ دَاخِلٌ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً) فَتَعَيَّنَ اعْتِبَارُ الرُّشْدِ وَلَكِنْ يَخْتَلِفُ إِينَاسُهُ بِحَسَبِ اخْتِلَافِ حَالِ الرَّاشِدِ. فَاعْرِفْهُ وَرَكِّبْ عَلَيْهِ وَاجْتَنِبِ التَّحَكُّمَ الَّذِي لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ. السَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِيمَا فَعَلَتْهُ ذَاتُ الْأَبِ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ، فَقِيلَ: هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّدِّ لِبَقَاءِ الْحَجْرِ، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْدَهُ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْجَوَازِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مَا عَمِلَتْهُ فِي تِلْكَ الْمُدَّةِ مَحْمُولٌ عَلَى الرَّدِّ إِلَّا «١» أَنْ يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّدَادُ، وَمَا عَمِلَتْهُ بَعْدَ ذَلِكَ مَحْمُولٌ عَلَى الْإِمْضَاءِ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِيهِ السَّفَهُ. الثَّامِنَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي دَفْعِ الْمَالِ إِلَى الْمَحْجُورِ عَلَيْهِ هَلْ يَحْتَاجُ إِلَى السُّلْطَانِ أَمْ لَا؟ فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: لَا بُدَّ مِنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَانِ، وَيَثْبُتُ عِنْدَهُ رُشْدُهُ ثم يدفع إليه ما له. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: ذَلِكَ مَوْكُولٌ إِلَى اجْتِهَادِ الْوَصِيِّ دُونَ أَنْ يَحْتَاجَ إِلَى رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَانِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَالصَّوَابُ فِي أَوْصِيَاءِ زَمَانِنَا أَلَّا يُسْتَغْنَى عَنْ رَفْعِهِ إِلَى السُّلْطَانِ وَثُبُوتِ الرُّشْدِ عِنْدَهُ، لِمَا حُفِظَ مِنْ تَوَاطُؤِ الْأَوْصِيَاءِ عَلَى أَنْ يَرْشُدَ الصَّبِيُّ، وَيَبْرَأَ الْمَحْجُورُ عَلَيْهِ لِسَفَهِهِ وَقِلَّةِ تَحْصِيلِهِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ. التَّاسِعَةُ- فَإِذَا سُلِّمَ الْمَالُ إِلَيْهِ بِوُجُودِ الرُّشْدِ، ثُمَّ عَادَ إِلَى السَّفَهِ بِظُهُورِ تَبْذِيرٍ وَقِلَّةِ تَدْبِيرٍ عَادَ إِلَيْهِ الْحَجْرُ عِنْدَنَا، وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يَعُودُ، لِأَنَّهُ بَالِغٌ عَاقِلٌ، بِدَلِيلِ جَوَازِ إِقْرَارِهِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِياماً) وَقَالَ تَعَالَى: (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً


(١). في اوح وز: إلى. [ ..... ]