(مِنْكُمْ) وَاخْتَارَهُ النَّحَّاسُ وَرَوَاهُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا: الْأُولَى فِي النِّسَاءِ الْمُحْصَنَاتِ. يُرِيدُ: وَدَخَلَ مَعَهُنَّ مَنْ أُحْصِنَ مِنَ الرِّجَالِ بِالْمَعْنَى، وَالثَّانِيةُ فِي الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ الْبِكْرَيْنِ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَمَعْنَى هَذَا الْقَوْلِ تَامٌّ إِلَّا أَنَّ لَفْظَ الْآيَةِ يُقْلِقُ عَنْهُ. وَقَدْ رَجَّحَهُ الطَّبَرِيُّ، وَأَبَاهُ النَّحَّاسُ وَقَالَ: تَغْلِيبُ الْمُؤَنَّثِ عَلَى الْمُذَكَّرِ بَعِيدٌ، لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ الشَّيْءُ إِلَى الْمَجَازِ وَمَعْنَاهُ صَحِيحٌ فِي الْحَقِيقَةِ. وَقِيلَ: كَانَ الْإِمْسَاكُ لِلْمَرْأَةِ الزَّانِيَةِ دُونَ الرَّجُلِ، فَخُصَّتِ الْمَرْأَةُ بِالذِّكْرِ فِي الْإِمْسَاكِ ثُمَّ جُمِعَا فِي الْإِيذَاءِ. قَالَ قَتَادَةُ: كَانَتِ الْمَرْأَةُ تُحْبَسُ وَيُؤْذَيَانِ جَمِيعًا، وَهَذَا لِأَنَّ الرَّجُلَ يَحْتَاجُ إِلَى السَّعْيِ وَالِاكْتِسَابِ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ أَيْضًا فِي الْقَوْلِ بِمُقْتَضَى حَدِيثِ عُبَادَةَ الَّذِي هُوَ بَيَانٌ لِأَحْكَامِ الزُّنَاةِ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ، فَقَالَ بِمُقْتَضَاهُ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ لَا اخْتِلَافَ عَنْهُ فِي ذَلِكَ، وَأَنَّهُ جَلَدَ شُرَاحَةَ الْهَمْدَانِيَّةَ مِائَةً وَرَجَمَهَا بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَالَ: جَلَدْتُهَا بِكِتَابِ اللَّهِ وَرَجَمْتُهَا بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْحَسَنُ بْنُ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ وَإِسْحَاقَ. وَقَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ: بَلْ عَلَى الثَّيِّبِ الرَّجْمُ بِلَا جَلْدٍ. وَهَذَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ وَهُوَ قَوْلُ الزُّهْرِيِّ وَالنَّخَعِيِّ وَمَالِكٍ وَالثَّوْرِيِّ وَالْأَوْزَاعِيِّ وَالشَّافِعِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَأَحْمَدَ وَأَبِي ثَوْرٍ، مُتَمَسِّكِينَ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجَمَ مَاعِزًا وَالْغَامِدِيَّةَ «١» وَلَمْ يَجْلِدْهُمَا، وَبِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِأُنَيْسٍ: (اغْدُ عَلَى امْرَأَةِ هَذَا فَإِنِ اعْتَرَفَتْ فَارْجُمْهَا) وَلَمْ يَذْكُرِ الْجَلْدَ، فَلَوْ كَانَ مَشْرُوعًا لَمَا سَكَتَ عَنْهُ. قِيلَ لَهُمْ: إِنَّمَا سَكَتَ عَنْهُ، لِأَنَّهُ ثَابِتٌ بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَيْسَ يَمْتَنِعُ أَنْ يَسْكُتَ عَنْهُ لِشُهْرَتِهِ وَالتَّنْصِيصِ عَلَيْهِ فِي الْقُرْآنِ، لِأَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ) يَعُمُّ جَمِيعَ الزُّنَاةِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُبَيِّنُ هَذَا فِعْلَ عَلِيٍّ بِأَخْذِهِ عَنِ الْخُلَفَاءِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكَرْ عَلَيْهِ فَقِيلَ لَهُ: عَمِلْتَ بِالْمَنْسُوخِ وَتَرَكْتَ النَّاسِخَ. وَهَذَا وَاضِحٌ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي نَفْيِ الْبِكْرِ مَعَ الْجَلْدِ، فَالَّذِي عَلَيْهِ الْجُمْهُورُ أَنَّهُ يُنْفَى مَعَ الْجَلْدِ، قَالَهُ الْخُلَفَاءُ الرَّاشِدُونَ: أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ، وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عُمَرَ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ، وَبِهِ قَالَ عَطَاءٌ وَطَاوُسٌ وَسُفْيَانُ وَمَالِكٌ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثور.
(١). الغامدية بالمعجمة: نسبة إلى غامد من جهينة.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute