للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْحَسَنُ: كَانَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستبرءون الْمَسْبِيَّةَ بِحَيْضَةٍ، وَقَدْ رُوِيَ ذَلِكَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ فِي سَبَايَا أَوْطَاسٍ (لَا تُوطَأُ حَامِلٌ حَتَّى تَضَعَ وَلَا حَائِلٌ حَتَّى تَحِيضَ). وَلَمْ يَجْعَلْ لِفِرَاشِ الزَّوْجِ السَّابِقِ أَثَرًا حَتَّى يُقَالَ إِنَّ الْمَسْبِيَّةَ مَمْلُوكَةٌ وَلَكِنَّهَا كَانَتْ زَوْجَةً زَالَ نِكَاحُهَا فَتَعْتَدُّ عِدَّةَ الْإِمَاءِ، عَلَى مَا نُقِلَ عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ قَالَ: عَلَيْهَا الْعِدَّةُ حَيْضَتَانِ إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فِي دَارِ الْحَرْبِ. وَكَافَّةُ الْعُلَمَاءِ رَأَوُا اسْتِبْرَاءَهَا وَاسْتِبْرَاءَ الَّتِي لَا زَوْجَ لَهَا وَاحِدًا فِي أَنَّ الْجَمِيعَ بِحَيْضَةٍ وَاحِدَةٍ. وَالْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِ مَالِكٍ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُسْبَى الزَّوْجَانِ مُجْتَمِعَيْنِ أَوْ مُتَفَرِّقَيْنِ. وَرَوَى عَنْهُ ابْنُ بُكَيْرٍ أَنَّهُمَا إِنْ سُبِيَا جَمِيعًا وَاسْتُبْقِيَ الرَّجُلُ أُقِرَّا عَلَى نِكَاحِهِمَا، فَرَأَى فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ اسْتِبْقَاءَهُ إِبْقَاءٌ لِمَا يَمْلِكُهُ، لِأَنَّهُ قَدْ صَارَ لَهُ عَهْدٌ وَزَوْجَتُهُ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَمْلِكُهُ، فَلَا يُحَالُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا، وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيِّ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ وَرَوَاهُ عَنْ مَالِكٍ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ، لِمَا ذَكَرْنَاهُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ) فَأَحَالَ عَلَى مِلْكِ الْيَمِينِ وَجَعَلَهُ هُوَ الْمُؤَثِّرَ فَيَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ مِنْ حَيْثُ الْعُمُومِ وَالتَّعْلِيلِ جَمِيعًا، إِلَّا مَا خَصَّهُ الدَّلِيلُ. وَفِي الْآيَةِ قَوْلٌ ثَانٍ قَالَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَالْحَسَنُ بْنُ أَبِي الْحَسَنِ وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَابْنُ عَبَّاسٍ فِي رِوَايَةِ عِكْرِمَةَ: أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَةِ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ، أَيْ فَهُنَّ حَرَامٌ إِلَّا أَنْ يَشْتَرِيَ الرَّجُلُ الْأَمَةَ ذَاتَ الزَّوْجِ فَإِنَّ بَيْعَهَا طَلَاقُهَا وَالصَّدَقَةُ بِهَا طَلَاقُهَا وَأَنْ تُورَثَ طَلَاقُهَا وَتَطْلِيقُ الزَّوْجِ طَلَاقُهَا. قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ: فَإِذَا بِيعَتِ الْأَمَةُ وَلَهَا زَوْجٌ فَالْمُشْتَرِي أَحَقُّ بِبُضْعِهَا وَكَذَلِكَ الْمَسْبِيَّةُ، كُلُّ ذَلِكَ مُوجِبٌ لِلْفُرْقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ زَوْجِهَا. قَالُوا: وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقًا لَهَا، لِأَنَّ الْفَرْجَ مُحَرَّمٌ عَلَى اثْنَيْنِ فِي حَالٍ وَاحِدَةٍ بِإِجْمَاعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ. قُلْتُ: وَهَذَا يَرُدُّهُ حَدِيثُ بَرِيرَةَ، لِأَنَّ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا اشْتَرَتْ بَرِيرَةَ وَأَعْتَقَتْهَا ثُمَّ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَتْ ذَاتَ زَوْجٍ، وَفِي إِجْمَاعِهِمْ عَلَى أَنَّ بَرِيرَةَ قَدْ خُيِّرَتْ تَحْتَ زَوْجِهَا مُغِيثٍ بَعْدَ أَنِ اشْتَرَتْهَا عَائِشَةُ فَأَعْتَقَتْهَا لَدَلِيلٌ «١» عَلَى أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ طَلَاقَهَا «٢»، وَعَلَى ذَلِكَ جَمَاعَةُ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ مِنْ أَهْلِ الرَّأْيِ وَالْحَدِيثِ، وَأَلَّا طَلَاقَ لَهَا إلا الطلاق. وقد


(١). كذا في د.
(٢). كذا في ب.