للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ وَحَرَّمَهُ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: (فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ النِّكَاحَ بِإِذْنِ الْأَهْلِينَ هُوَ النِّكَاحُ الشَّرْعِيُّ بِوَلِيٍّ وَشَاهِدَيْنِ، وَنِكَاحُ الْمُتْعَةِ لَيْسَ كَذَلِكَ. وَقَالَ الْجُمْهُورُ: الْمُرَادُ نِكَاحُ الْمُتْعَةِ الَّذِي كَانَ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيٌّ وَابْنُ جُبَيْرٍ (فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) ثُمَّ نَهَى عَنْهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ: نَسَخَتْهَا آيَةُ الْمِيرَاثِ، إِذْ كَانَتِ الْمُتْعَةُ لَا مِيرَاثَ فِيهَا. وَقَالَتْ عَائِشَةُ وَالْقَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ: تَحْرِيمُهَا وَنَسْخُهَا فِي الْقُرْآنِ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ «١» (وَلَيْسَتِ الْمُتْعَةُ نِكَاحًا وَلَا مِلْكَ يَمِينٍ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْمُتْعَةِ، قَالَ: وَإِنَّمَا كَانَتْ لِمَنْ لَمْ يَجِدْ، فَلَمَّا نَزَلَ النِّكَاحُ وَالطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ بَيْنَ الزَّوْجِ وَالْمَرْأَةِ نُسِخَتْ. وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: نَسَخَ صَوْمُ رَمَضَانَ كُلَّ صَوْمٍ، وَنَسَخَتِ الزَّكَاةُ كُلَّ صَدَقَةٍ، وَنَسَخَ الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ الْمُتْعَةَ، وَنَسَخَتِ الْأُضْحِيَةُ كُلَّ ذَبْحٍ. وَعَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: الْمُتْعَةُ مَنْسُوخَةٌ نَسَخَهَا الطَّلَاقُ وَالْعِدَّةُ وَالْمِيرَاثُ. وَرَوَى عَطَاءٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا كَانَتِ الْمُتْعَةُ إِلَّا رَحْمَةً مِنَ اللَّهِ تَعَالَى رَحِمَ بِهَا عِبَادَهُ وَلَوْلَا نَهْيُ عُمَرَ عَنْهَا مَا زَنَى إِلَّا شَقِيٌّ. الْعَاشِرَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ كَمْ مَرَّةً أُبِيحَتْ وَنُسِخَتْ، فَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: كُنَّا نَغْزُو مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْسَ لَنَا نِسَاءٌ، فَقُلْنَا: أَلَا نَسْتَخْصِي؟ فَنَهَانَا عَنْ ذَلِكَ، ثُمَّ رَخَّصَ لَنَا أَنْ نَنْكِحَ الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ. قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِهِ: قَوْلُهُمْ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (أَلَا نَسْتَخْصِي) دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُتْعَةَ كَانَتْ مَحْظُورَةً قَبْلَ أَنْ أُبِيحَ لَهُمُ الِاسْتِمْتَاعُ، وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَحْظُورَةً لَمْ يَكُنْ لِسُؤَالِهِمْ عَنْ هَذَا مَعْنًى، ثُمَّ رَخَّصَ لَهُمْ فِي الْغَزْوِ أَنْ يَنْكِحُوا الْمَرْأَةَ بِالثَّوْبِ إِلَى أَجَلٍ ثُمَّ نَهَى عَنْهَا عَامَ خَيْبَرَ، ثُمَّ أَذِنَ فِيهَا عَامَ الْفَتْحِ، ثُمَّ حَرَّمَهَا بَعْدَ ثَلَاثٍ، فَهِيَ مُحَرَّمَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ. وَقَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَأَمَّا مُتْعَةُ النِّسَاءِ فَهِيَ مِنْ غَرَائِبِ الشَّرِيعَةِ، لِأَنَّهَا أُبِيحَتْ فِي صَدْرِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ حُرِّمَتْ يوم خيبر، ثم أبيحت في غزوة


(١). راجع ج ١٢ ص ١٠٥