عَنْهَا، فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَى تَحْرِيمِهَا، فَإِذَا فَعَلَهَا أَحَدٌ رُجِمَ فِي مَشْهُورِ الْمَذْهَبِ. وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْ مَالِكٍ: لَا يُرْجَمُ، لِأَنَّ نِكَاحَ الْمُتْعَةِ لَيْسَ بِحَرَامٍ، وَلَكِنْ لِأَصْلٍ آخَرَ لِعُلَمَائِنَا غَرِيبٍ انْفَرَدُوا بِهِ دُونَ سَائِرِ الْعُلَمَاءِ، وَهُوَ أَنَّ مَا حُرِّمَ بِالسُّنَّةِ هَلْ هُوَ مِثْلُ مَا حُرِّمَ بِالْقُرْآنِ أَمْ لَا؟ فَمِنْ رِوَايَةِ بَعْضِ الْمَدَنِيِّينَ عَنْ مَالِكٍ أَنَّهُمَا لَيْسَا بِسَوَاءٍ، وَهَذَا ضَعِيفٌ. وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الطَّرْطُوسِيُّ: وَلَمْ يُرَخِّصْ فِي نِكَاحِ الْمُتْعَةِ إِلَّا عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَبَعْضُ الصَّحَابَةِ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ. وَفِي قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ يَقُولُ الشَّاعِرُ:
أَقُولُ لِلرَّكْبِ إِذْ طَالَ الثَّوَاءَ بِنَا ... يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ
فِي بَضَّةٍ رَخْصَةِ الْأَطْرَافِ نَاعِمَةٍ ... تَكُونُ مَثْوَاكَ حَتَّى مَرْجِعَ النَّاسِ
وَسَائِرُ الْعُلَمَاءِ وَالْفُقَهَاءِ مِنَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالسَّلَفِ الصَّالِحِينَ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مَنْسُوخَةٌ، وَأَنَّ الْمُتْعَةَ حَرَامٌ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ: أَصْحَابُ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ أَهْلِ مكة واليمن كلهم يرون المتعة حلا لا عَلَى مَذْهَبِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَحَرَّمَهَا سَائِرُ النَّاسِ. وَقَالَ مَعْمَرٌ: قَالَ الزُّهْرِيُّ: ازْدَادَ النَّاسُ لَهَا مَقْتًا حَتَّى قَالَ الشَّاعِرُ:
قَالَ الْمُحَدِّثُ لَمَّا طَالَ مَجْلِسُهُ ... يَا صَاحِ هَلْ لَكَ فِي فُتْيَا ابْنِ عَبَّاسِ
كَمَا تَقَدَّمَ. الثَّالِثَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أُجُورَهُنَّ) يَعُمُّ الْمَالَ وَغَيْرَهُ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الصَّدَاقُ مَنَافِعَ أَعْيَانٍ. وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي هَذَا الْعُلَمَاءُ، فَمَنَعَهُ مَالِكٌ وَالْمُزَنِيُّ وَاللَّيْثُ وَأَحْمَدُ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ، إِلَّا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ: إِذَا تَزَوَّجَ عَلَى ذَلِكَ فَالنِّكَاحُ جَائِزٌ وَهُوَ فِي حُكْمِ مَنْ لَمْ يُسَمِّ لَهَا، وَلَهَا مَهْرُ مِثْلِهَا إِنْ دَخَلَ بِهَا، وَإِنْ لَمْ يَدْخُلْ بِهَا فَلَهَا الْمُتْعَةُ. وَكَرِهَهُ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ وَأَجَازَهُ أَصْبَغُ. قَالَ ابْنُ شَاسٍ: فَإِنْ وَقَعَ مَضَى فِي قَوْلِ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. وَهِيَ رِوَايَةُ أَصْبَغَ عَنِ ابْنِ الْقَاسِمِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: النِّكَاحُ ثَابِتٌ وَعَلَيْهِ أَنْ يُعْلِمَهَا مَا شَرَطَ لَهَا. فَإِنْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الدُّخُولِ فَفِيهَا لِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ لَهَا نِصْفَ أَجْرِ تَعْلِيمِ تِلْكَ السُّورَةِ، وَالْآخَرُ أَنَّ لَهَا نِصْفَ مَهْرِ مِثْلِهَا. وَقَالَ إِسْحَاقُ: النِّكَاحُ جَائِزٌ. قَالَ أَبُو الْحَسَنِ اللَّخْمِيُّ: وَالْقَوْلُ بجواز جميع ذلك أحسن. والإجارة والحج كغير هما مِنَ الْأَمْوَالِ الَّتِي تُتَمَلَّكُ وَتُبَاعُ وَتُشْتَرَى. وَإِنَّمَا كره
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute