فِيهِ إِحْدَى وَعِشْرُونَ مَسْأَلَةً: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا) الْآيَةَ. نَبَّهَ تَعَالَى عَلَى تَخْفِيفٍ فِي النِّكَاحِ «١» وَهُوَ نِكَاحُ الْأَمَةِ لِمَنْ لَمْ يَجِدِ الطَّوْلَ. وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ. فِي مَعْنَى الطَّوْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ: الْأَوَّلُ- السَّعَةُ وَالْغِنَى، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمُجَاهِدٌ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَالسُّدِّيُّ وَابْنُ زَيْدٍ وَمَالِكٌ فِي الْمُدَوَّنَةِ. يُقَالُ: طَالَ يَطُولُ طَوْلًا فِي الْإِفْضَالِ وَالْقُدْرَةِ. وَفُلَانٌ ذُو طَوْلٍ أَيْ ذُو قُدْرَةٍ في مال (بِفَتْحِ الطَّاءِ). وَطُولًا (بِضَمِّ الطَّاءِ) فِي ضِدِّ القصر. والمراد هاهنا القدرة على المهر فقول أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ، وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ. قَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَذَّلِ: قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: الطَّوْلُ كُلُّ مَا يُقْدَرُ بِهِ عَلَى النِّكَاحِ مِنْ نَقْدٍ أَوْ عَرَضٍ أَوْ دَيْنٍ عَلَى مَلِيٍّ. قَالَ: وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ بَيْعُهُ وَإِجَارَتُهُ فَهُوَ طَوْلٌ. قَالَ: وَلَيْسَتِ الزَّوْجَةُ وَلَا الزَّوْجَتَانِ وَلَا الثَّلَاثَةُ طَوْلًا. وَقَالَ: وَقَدْ سَمِعْتُ ذَلِكَ مِنْ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. قَالَ عَبْدُ الْمَلِكِ: لِأَنَّ الزَّوْجَةَ لَا يُنْكَحُ بِهَا وَلَا يَصِلُ بِهَا إِلَى غَيْرِهَا إِذْ لَيْسَتْ بِمَالٍ. وَقَدْ سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ رَجُلٍ يَتَزَوَّجُ أَمَةً وَهُوَ مِمَّنْ يَجِدُ الطَّوْلَ، فَقَالَ: أَرَى أَنْ يُفَرَّقَ بَيْنَهُمَا. قِيلَ لَهُ: إِنَّهُ يَخَافُ الْعَنَتَ. قَالَ: السَّوْطُ يُضْرَبُ بِهِ. ثُمَّ خَفَّفَهُ بَعْدَ ذَلِكَ. الْقَوْلُ الثَّانِي: الطَّوْلُ الْحُرَّةُ. وَقَدِ اخْتَلَفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِي الْحُرَّةِ هَلْ هِيَ طَوْلٌ أَمْ لَا، فَقَالَ فِي الْمُدَوَّنَةِ: لَيْسَتِ الْحُرَّةُ بِطَوْلٍ تَمْنَعُ مِنْ نِكَاحِ الْأَمَةِ، إِذَا لَمْ يَجِدْ سَعَةً لِأُخْرَى وَخَافَ الْعَنَتَ. وَقَالَ فِي كِتَابِ مُحَمَّدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّ الْحُرَّةَ بِمَثَابَةِ الطَّوْلِ. قَالَ اللَّخْمِيُّ: وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ. وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا عَنِ ابْنِ حَبِيبٍ، وَقَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ. فَيَقْتَضِي هَذَا أَنَّ مَنْ عِنْدَهُ حُرَّةٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ نِكَاحُ الْأَمَةِ وَإِنْ عُدِمَ السَّعَةَ وَخَافَ الْعَنَتَ، لِأَنَّهُ طَالِبُ شَهْوَةٍ وَعِنْدَهُ امْرَأَةٌ، وَقَالَ بِهِ الطَّبَرِيُّ وَاحْتَجَّ لَهُ. قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الطَّوْلُ هُوَ وجود الحرة
(١). في ب ود وط وز وى: المناكح. وهو جمع كمقعد ومقاعد. وفى ج وا وج. النكاح.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute