للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَالْمَعْنَى: يُرِيدُ تَوْبَتَكُمْ، أَيْ يَقْبَلُهَا فَيَتَجَاوَزُ عَنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُرِيدُ التَّخْفِيفَ عَنْكُمْ. قِيلَ: هَذَا فِي جَمِيعِ أَحْكَامِ الشَّرْعِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ. وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِالتَّخْفِيفِ نِكَاحُ الْأَمَةِ، أَيْ لَمَّا عَلِمْنَا ضَعْفَكُمْ عَنِ الصَّبْرِ عَنِ النِّسَاءِ خَفَّفْنَا عَنْكُمْ بِإِبَاحَةِ الْإِمَاءِ، قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَابْنُ زَيْدٍ وَطَاوُسٌ. قَالَ طاوس: ليس يكون الإنسان في شي أَضْعَفَ مِنْهُ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ. وَاخْتُلِفَ فِي تَعْيِينِ الْمُتَّبِعِينَ لِلشَّهَوَاتِ، فَقَالَ مُجَاهِدٌ: هُمُ الزُّنَاةُ. السُّدِّيُّ: هُمْ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُمُ الْيَهُودُ خَاصَّةً، لِأَنَّهُمْ أَرَادُوا أَنْ يَتَّبِعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ. وَقَالَ ابْنُ زَيْدٍ: ذَلِكَ عَلَى الْعُمُومِ، وَهُوَ الْأَصَحُّ. وَالْمَيْلُ: الْعُدُولُ عَنْ طَرِيقِ الِاسْتِوَاءِ، فَمَنْ كَانَ عَلَيْهَا أَحَبَّ أَنْ يَكُونَ أَمْثَالُهُ عَلَيْهَا حَتَّى لَا تَلْحَقُهُ مَعَرَّةٌ «١». قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ هَوَاهُ يَسْتَمِيلُهُ وَشَهْوَتُهُ وَغَضَبُهُ يَسْتَخِفَّانِهِ، وَهَذَا أَشَدُّ الضَّعْفِ فَاحْتَاجَ إِلَى التَّخْفِيفِ. وَقَالَ طَاوُسٌ: ذَلِكَ فِي أَمْرِ النِّسَاءِ خَاصَّةً. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَرَأَ (وَخَلَقَ الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا) أَيْ وَخَلَقَ اللَّهُ الْإِنْسَانَ ضَعِيفًا، أَيْ لَا يَصْبِرُ عَنِ النِّسَاءِ. قَالَ ابْنُ الْمُسَيَّبِ: لَقَدْ أَتَى عَلَيَّ ثَمَانُونَ سَنَةً وَذَهَبَتْ إِحْدَى عَيْنَيَّ وَأَنَا أَعْشُو «٢» بِالْأُخْرَى وَصَاحِبِي أَعْمَى أَصَمُّ- يَعْنِي ذَكَرُهُ- وَإِنِّي أَخَافُ مِنْ فِتْنَةِ النِّسَاءِ. وَنَحْوَهُ عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ عُبَادَةُ: أَلَا تَرَوْنِي لَا أَقُومُ إِلَّا رِفْدًا «٣» وَلَا آكُلُ إِلَّا مَا لُوِّقَ لِي- قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي لُيِّنَ وَسُخِّنَ- وَقَدْ مَاتَ صَاحِبِي مُنْذُ زَمَانٍ- قَالَ يَحْيَى: يَعْنِي ذَكَرُهُ- وَمَا يَسُرُّنِي أَنِّي خَلَوْتُ بِامْرَأَةٍ لَا تَحِلُّ لِي، وَأَنَّ لِي مَا تَطْلُعُ عَلَيْهِ الشَّمْسُ مَخَافَةَ أَنْ يَأْتِيَنِي الشَّيْطَانُ فَيُحَرِّكَهُ عَلَيَّ، إِنَّهُ لَا سَمْعَ لَهُ وَلَا بَصَرَ!. قَوْلُهُ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجارَةً عَنْ تَراضٍ مِنْكُمْ وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (٢٩)


(١). في ط وى: وفى معناه قيل: ثم بياض في ى. ولم يأت بمقول القول، ولعله أراد أن يقول: (وَخُلِقَ الْإِنْسانُ) الآية جملة حالية.
(٢). في البحر: وأنا أعشق.
(٣). أي الا أن أعان على القيام.