للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

طِيبٍ نَفْسٍ مِنْهُ (. قَالُوا: وَمَعْنَى قَوْلِهِ (لَا يَمْنَعُ أَحَدُكُمْ جَارَهُ) هُوَ مِثْلُ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا اسْتَأْذَنَتْ أَحَدَكُمُ امْرَأَتُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ فَلَا يَمْنَعْهَا). وَهَذَا مَعْنَاهُ عِنْدَ الْجَمِيعِ النَّدْبُ، عَلَى مَا يَرَاهُ الرَّجُلُ مِنَ الصَّلَاحِ وَالْخَيْرِ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ «١» الشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ بْنُ عَلِيٍّ وَجَمَاعَةُ أَهْلِ الْحَدِيثِ: إِلَى أَنَّ ذَلِكَ عَلَى الْوُجُوبِ. قَالُوا: وَلَوْلَا أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ فَهِمَ فِيمَا سَمِعَ مِنَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعْنَى الْوُجُوبِ مَا كَانَ لِيُوجِبَ عَلَيْهِمْ غَيْرَ وَاجِبٍ. وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، فَإِنَّهُ قَضَى عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ لِلضَّحَّاكِ بْنِ خَلِيفَةَ فِي الْخَلِيجِ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فِي أَرْضِ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْلَمَةَ، فَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ: لَا وَاللَّهِ. فَقَالَ عُمَرُ: وَاللَّهِ لَيَمُرَّنَّ بِهِ وَلَوْ عَلَى بَطْنِكَ. فَأَمَرَهُ عُمَرُ أَنْ يَمُرَّ بِهِ فَفَعَلَ الضَّحَّاكُ رَوَاهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ. وَزَعَمَ الشَّافِعِيُّ فِي كِتَابِ (الرَّدِّ) أَنَّ مَالِكًا لَمْ يَرْوِ عَنْ أَحَدٍ مِنَ الصَّحَابَةِ خِلَافَ عُمَرَ فِي هَذَا الْبَابِ، وَأَنْكَرَ عَلَى مَالِكٍ أَنَّهُ رَوَاهُ وَأَدْخَلَهُ فِي كِتَابِهِ وَلَمْ يَأْخُذْ بِهِ وَرَدَّهُ بِرَأْيِهِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: لَيْسَ كَمَا زَعَمَ الشَّافِعِيُّ، لِأَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ مَسْلَمَةَ كَانَ رَأْيُهُ فِي ذَلِكَ خِلَافَ رَأْيِ عُمَرَ، وَرَأْيُ الْأَنْصَارِ أَيْضًا كَانَ خِلَافًا لِرَأْيِ عُمَرَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ فِي قِصَّةِ الرَّبِيعِ «٢» وَتَحْوِيلِهِ- وَالرَّبِيعُ السَّاقِيَّةُ- وَإِذَا اخْتَلَفَتِ الصَّحَابَةُ وَجَبَ الرُّجُوعُ إِلَى النَّظَرِ، وَالنَّظَرُ، يَدُلُّ عَلَى أَنَّ دِمَاءَ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَعْرَاضَهُمْ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ حَرَامٌ إِلَّا مَا تَطِيبُ بِهِ النَّفْسُ خَاصَّةً، فَهَذَا هُوَ الثَّابِتِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَيَدُلُّ عَلَى الْخِلَافِ فِي ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ: مَا لِي أَرَاكُمْ عَنْهَا مُعْرِضِينَ وَاللَّهِ لَأَرْمِيَنَّكُمْ بِهَا، هَذَا أَوْ نَحْوُهُ. أَجَابَ الْأَوَّلُونَ فَقَالُوا: الْقَضَاءُ بِالْمِرْفَقِ خَارِجٌ بِالسُّنَّةِ عَنْ مَعْنَى قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ إلا عن طيب نفس منه) لِأَنَّ هَذَا مَعْنَاهُ التَّمْلِيكُ وَالِاسْتِهْلَاكُ وَلَيْسَ الْمِرْفَقُ مِنْ ذَلِكَ، لِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ. فَغَيْرُ وَاجِبٍ أَنْ يُجْمَعَ بَيْنَ مَا فَرَقَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَحَكَى مَالِكٌ أَنَّهُ كَانَ بِالْمَدِينَةِ قَاضٍ يَقْضِي بِهِ يُسَمَّى أَبُو الْمُطَّلِبِ «٣». وَاحْتَجُّوا مِنَ الْأَثَرِ بِحَدِيثِ الْأَعْمَشِ عن أنس قال:


(١). كذا في الأصول: قال. إلى. ضمنه معنى ذهب.
(٢). راجع الموطأ باب (القضاء في المرافق).
(٣). في الأصول: (يسمى المطلب) والتصويب عن شرح الموطأ.