التَّاسِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ إِذَا وَجَدَ الْمَاءَ بَعْدَ دُخُولٍ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: لَيْسَ عَلَيْهِ قَطْعُ الصَّلَاةِ وَاسْتِعْمَالُ الْمَاءِ وَلْيُتِمَّ صَلَاتَهُ وَلْيَتَوَضَّأْ لِمَا يَسْتَقْبِلُ، وَبِهَذَا قَالَ الشَّافِعِيُّ وَاخْتَارَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَجَمَاعَةٌ مِنْهُمْ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَالْمُزَنِيُّ: يَقْطَعُ وَيَتَوَضَّأُ وَيَسْتَأْنِفُ الصَّلَاةَ لِوُجُودِ الْمَاءِ. وَحُجَّتُهُمْ أَنَّ التَّيَمُّمَ لَمَّا بَطَلَ بِوُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ يَبْطُلُ مَا بَقِيَ مِنْهَا، وَإِذَا بَطَلَ بَعْضُهَا بَطَلَ كُلُّهَا، لِإِجْمَاعِ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْمُعْتَدَّةَ بِالشُّهُورِ لَا يَبْقَى عَلَيْهَا إِلَّا أَقَلُّهَا ثُمَّ تَحِيضُ أَنَّهَا تَسْتَقْبِلُ عِدَّتَهَا بِالْحَيْضِ. قَالُوا: وَالَّذِي يَطْرَأُ عَلَيْهِ الْمَاءُ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ كَذَلِكَ قِيَاسًا وَنَظَرًا. وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ «١»). وَقَدِ اتَّفَقَ الْجَمِيعُ عَلَى جَوَازِ الدُّخُولِ فِي. الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ عِنْدَ عَدَمِ الْمَاءِ، وَاخْتَلَفُوا فِي قطعها إذا روي الْمَاءُ، وَلَمْ تَثْبُتْ سُنَّةٌ بِقَطْعِهَا وَلَا إِجْمَاعٌ. وَمِنْ حُجَّتِهِمْ أَيْضًا أَنَّ مَنْ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فِي ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ فَصَامَ مِنْهُ أَكْثَرَهُ ثُمَّ وَجَدَ رَقَبَةً لَا يُلْغِي صَوْمَهُ وَلَا يَعُودُ إِلَى الرَّقَبَةِ. وَكَذَلِكَ مَنْ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ بِالتَّيَمُّمِ لَا يَقْطَعُهَا وَلَا يَعُودُ إِلَى الْوُضُوءِ بِالْمَاءِ. الْمُوَفِّيَةُ أَرْبَعِينَ- وَاخْتَلَفُوا هَلْ يُصَلِّي بِهِ صَلَوَاتٍ أَمْ يَلْزَمُ التَّيَمُّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ فَرْضٍ وَنَفْلٍ، فَقَالَ شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْقَاضِي: يَتَيَمَّمُ لِكُلِّ صَلَاةِ نَافِلَةٍ وَفَرِيضَةٍ. وَقَالَ مَالِكٌ لِكُلِّ فَرِيضَةٍ، لِأَنَّ عَلَيْهِ أَنْ يَبْتَغِيَ الْمَاءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَمَنِ ابْتَغَى الْمَاءَ فَلَمْ يَجِدْهُ فَإِنَّهُ يَتَيَمَّمُ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ وَالْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ وَدَاوُدُ: يُصَلِّي مَا شَاءَ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ مَا لَمْ يُحْدِثْ، لِأَنَّهُ طَاهِرٌ مَا لَمْ يَجِدِ الْمَاءَ، وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَلَبُ الْمَاءِ إِذَا يَئِسَ مِنْهُ. وَمَا قُلْنَاهُ أَصَحُّ، لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ قَائِمٍ إِلَى الصَّلَاةِ طَلَبَ الْمَاءِ، وَأَوْجَبَ عِنْدَ عَدَمِهِ التَّيَمُّمَ لِاسْتِبَاحَةِ الصَّلَاةِ قَبْلَ خُرُوجِ الْوَقْتِ، فَهِيَ طَهَارَةُ ضَرُورَةٍ نَاقِصَةٌ بِدَلِيلِ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى بُطْلَانِهَا بِوُجُودِ الْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يُحْدِثْ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ. وَقَدْ يَنْبَنِي هَذَا الْخِلَافُ أَيْضًا فِي جَوَازِ التَّيَمُّمِ قَبْلَ دُخُولِ الْوَقْتِ، فَالشَّافِعِيُّ وَأَهْلُ الْمَقَالَةِ الْأُولَى لَا يُجَوِّزُونَهُ، لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) ظَهَرَ مِنْهُ تَعَلُّقُ أَجْزَاءِ التَّيَمُّمِ بِالْحَاجَةِ، وَلَا حَاجَةَ قَبْلَ الْوَقْتِ. وَعَلَى هَذَا لَا يُصَلِّي فَرْضَيْنِ بِتَيَمُّمٍ وَاحِدٍ، وَهَذَا بَيِّنٌ. وَاخْتَلَفَ عُلَمَاؤُنَا فِيمَنْ صَلَّى صَلَاتَيْ فرض
(١). راجع ج ١٦ ص ٢٥٤
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute