للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَشَهْرُ بْنُ حَوْشَبٍ وَابْنُ زَيْدٍ: هَذَا خِطَابٌ لِوُلَاةِ الْمُسْلِمِينَ خَاصَّةً، فَهِيَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأُمَرَائِهِ، ثُمَّ تَتَنَاوَلُ مَنْ بَعْدَهُمْ. وَقَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ وَغَيْرُهُ: ذَلِكَ خِطَابٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَاصَّةً فِي أَمْرِ مِفْتَاحِ الْكَعْبَةِ حِينَ أَخَذَهُ مِنْ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ الْحَجَبِيِّ الْعَبْدَرِيِّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الدَّارِ وَمِنَ ابْنِ عَمِّهِ شَيْبَةَ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ وَكَانَا كَافِرَيْنِ وَقْتَ فَتْحِ مَكَّةَ، فَطَلَبَهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ لِتَنْضَافَ لَهُ السِّدَانَةُ إِلَى السِّقَايَةِ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْكَعْبَةَ فَكَسَرَ مَا كَانَ فِيهَا مِنَ الْأَوْثَانِ، وَأَخْرَجَ مَقَامَ إِبْرَاهِيمَ وَنَزَلَ عَلَيْهِ جِبْرِيلُ بِهَذِهِ الْآيَةِ. قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ: وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَقْرَأُ هَذِهِ الْآيَةَ، وَمَا كُنْتُ سَمِعْتُهَا قَبْلُ مِنْهُ، فَدَعَا عُثْمَانَ وَشَيْبَةَ فَقَالَ: (خُذَاهَا خَالِدَةً تَالِدَةً لَا يَنْزِعُهَا مِنْكُمْ إِلَّا ظَالِمٌ). وَحَكَى مَكِّيٌّ: أَنَّ شَيْبَةَ أَرَادَ أَلَّا يَدْفَعَ الْمِفْتَاحَ، ثُمَّ دَفَعَهُ، وَقَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: خُذْهُ بِأَمَانَةِ اللَّهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْآيَةُ فِي الْوُلَاةِ خَاصَّةً فِي أَنْ يَعِظُوا النِّسَاءَ فِي النُّشُوزِ وَنَحْوِهِ وَيَرُدُّوهُنَّ إِلَى الْأَزْوَاجِ. وَالْأَظْهَرُ فِي الْآيَةِ أَنَّهَا عَامَّةٌ فِي جَمِيعِ النَّاسِ فَهِيَ تَتَنَاوَلُ الْوُلَاةَ فِيمَا إِلَيْهِمْ مِنَ الْأَمَانَاتِ فِي قِسْمَةِ الْأَمْوَالِ وَرَدِّ الظُّلَامَاتِ وَالْعَدْلِ فِي الْحُكُومَاتِ. وَهَذَا اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ. وَتَتَنَاوَلُ مَنْ دُونَهُمْ مِنَ النَّاسِ فِي حِفْظِ الْوَدَائِعِ وَالتَّحَرُّزِ فِي الشَّهَادَاتِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، كَالرَّجُلِ يَحْكُمُ فِي نَازِلَةٍ مَا وَنَحْوَهُ، وَالصَّلَاةُ وَالزَّكَاةُ وَسَائِرُ الْعِبَادَاتِ أَمَانَةُ اللَّهِ تَعَالَى. وَرُوِيَ هَذَا الْمَعْنَى مَرْفُوعًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يكفر الذنوب كلها) أو قال: (كل شي إِلَّا الْأَمَانَةَ «١» - وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّلَاةِ وَالْأَمَانَةُ فِي الصَّوْمِ وَالْأَمَانَةُ فِي الْحَدِيثِ وَأَشَدُّ ذَلِكَ الْوَدَائِعُ). ذَكَرَهُ أَبُو نُعَيْمٍ الْحَافِظُ فِي الْحِلْيَةِ. وَمِمَّنْ قَالَ إِنَّ الْآيَةَ عَامَّةٌ فِي الْجَمِيعِ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ وَابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأُبَيُّ ابن كعب قالوا: الأمانة في كل شي فِي الْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَالْجَنَابَةِ وَالصَّوْمِ وَالْكَيْلِ وَالْوَزْنِ وَالْوَدَائِعِ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: لَمْ يُرَخِّصِ اللَّهُ لِمُعْسِرٍ وَلَا لِمُوسِرٍ أَنْ يُمْسِكَ الْأَمَانَةَ. قُلْتُ: وَهَذَا إِجْمَاعٌ. وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَمَانَاتِ مَرْدُودَةٌ إِلَى أَرْبَابِهَا الْأَبْرَارِ مِنْهُمْ وَالْفُجَّارِ، قَالَهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ. وَالْأَمَانَةُ مَصْدَرٌ بِمَعْنَى الْمَفْعُولِ فَلِذَلِكَ جمع. ووجه النظم بما


(١). تقدم الحديث (القتل في سبيل الله يكفر كل شي الا الدين) راجع ص ٢٧٢ ج ٤ فما بعد.