للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ الَّذِي سَنَّ الْقَصْرَ فِي أَسْفَارِهِ وَفِي غَزَوَاتِهِ وَحَجِّهِ وَعُمَرِهِ «١». وَفِي قِرَاءَةِ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَمُصْحَفِهِ (النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ وَهُوَ أَبٌ لَهُمْ «٢». وَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:) هؤُلاءِ بَناتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ «٣» (قَالَ: لَمْ يَكُنَّ بَنَاتِهِ وَلَكِنْ كُنَّ نِسَاءَ أُمَّتِهِ، وَكُلُّ نَبِيٍّ فَهُوَ أَبُو أُمَّتِهِ. قُلْتُ: وَقَدِ اعْتُرِضَ عَلَى هَذَا بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ مُشَرِّعًا، وَلَيْسَتْ هِيَ كَذَلِكَ فَانْفَصَلَا. وَأَضْعَفُ مِنْ هَذَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّهَا حَيْثُ أَتَمَّتْ لَمْ تَكُنْ فِي سَفَرٍ جَائِزٍ، وَهَذَا بَاطِلٌ قَطْعًا، فَإِنَّهَا كَانَتْ أَخْوَفَ لِلَّهِ وَأَتْقَى مِنْ أَنْ تَخْرُجَ فِي سَفَرٍ لَا يَرْضَاهُ. وَهَذَا التَّأْوِيلُ عَلَيْهَا مِنْ أَكَاذِيبِ الشِّيعَةِ الْمُبْتَدِعَةِ وَتَشْنِيعَاتِهِمْ، سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ! وَإِنَّمَا خَرَجَتْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا مُجْتَهِدَةً مُحْتَسِبَةً تُرِيدُ أَنْ تُطْفِئَ نَارَ الْفِتْنَةِ، إِذْ هِيَ أَحَقُّ أَنْ يُسْتَحْيَا مِنْهَا فَخَرَجَتِ الْأُمُورُ عَنِ الضَّبْطِ. وَسَيَأْتِي بَيَانُ هَذَا الْمَعْنَى إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقِيلَ: إِنَّهَا أَتَمَّتْ لِأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ تَرَى الْقَصْرَ إِلَّا فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَالْغَزْوَةِ. وَهَذَا بَاطِلٌ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَمْ يُنْقَلْ عَنْهَا وَلَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهَا، ثُمَّ هِيَ قَدْ أَتَمَّتْ فِي سَفَرِهَا إِلَى عَلِيٍّ. وَأَحْسَنُ مَا [قِيلَ «٤» [فِي قَصْرِهَا وَإِتْمَامِهَا أَنَّهَا أَخَذَتْ بِرُخْصَةِ اللَّهِ، لِتُرِيَ النَّاسَ أَنَّ الْإِتْمَامَ لَيْسَ فِيهِ حَرَجٌ وَإِنْ كَانَ غَيْرُهُ أَفْضَلَ. وَقَدْ قَالَ عَطَاءٌ: الْقَصْرُ سُنَّةٌ وَرُخْصَةٌ، وَهُوَ الرَّاوِي عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صام وَأَفْطَرَ وَأَتَمَّ الصَّلَاةَ وَقَصَرَ فِي السَّفَرِ، رَوَاهُ طَلْحَةَ بْنُ عُمَرَ. وَعَنْهُ قَالَ «٥»: كُلُّ ذَلِكَ كَانَ يَفْعَلُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، صَامَ وَأَفْطَرَ وَقَصَرَ الصَّلَاةَ وَأَتَمَّ. وَرَوَى النَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ أَنَّ عَائِشَةَ اعْتَمَرَتْ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من الْمَدِينَةِ إِلَى مَكَّةَ [حَتَّى إِذَا قَدِمَتْ مَكَّةَ «٦»] قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي! قَصَرْتَ وَأَتْمَمْتُ وَأَفْطَرْتَ وَصُمْتُ؟ فَقَالَ: (أَحْسَنْتِ يَا عَائِشَةُ) وَمَا عَابَ عَلَيَّ. كَذَا هُوَ مُقَيَّدٌ بِفَتْحِ التَّاءِ الْأُولَى وَضَمِّ الثَّانِيةِ فِي الْكَلِمَتَيْنِ. وَرَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْصُرُ فِي السَّفَرِ ويتم ويفطر ويصوم، قال إسناده صحيح.


(١). من ط وى.
(٢). راجع ج ١٤ ص ١٢١.
(٣). راجع ج ٩ ص ٧٣.
(٤). في ج، ز، ط.
(٥). في ج وط وى: قالت.
(٦). زيادة عن سنن النسائي.