للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

التَّاسِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِذا سَجَدُوا) الضَّمِيرُ فِي (سَجَدُوا) لِلطَّائِفَةِ الْمُصَلِّيَةِ فَلْيَنْصَرِفُوا، هَذَا عَلَى بَعْضِ الْهَيْئَاتِ الْمَرْوِيَّةِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى فَإِذَا سَجَدُوا رَكْعَةَ الْقَضَاءِ، وَهَذَا عَلَى هَيْئَةِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ. وَدَلَّتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ السُّجُودَ قَدْ يُعَبَّرُ بِهِ عَنْ جَمِيعِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ كَقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (إِذَا دَخَلَ أَحَدُكُمُ الْمَسْجِدَ فليسجد سجدتين). أي فليل رَكْعَتَيْنِ وَهُوَ فِي السُّنَّةِ. وَالضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ: (فَلْيَكُونُوا) يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلَّذِينَ سَجَدُوا، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ لِلطَّائِفَةِ الْقَائِمَةِ أَوَّلًا بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ. الْعَاشِرَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا) أَيْ تَمَنَّى وَأَحَبَّ الْكَافِرُونَ غَفْلَتَكُمْ عَنْ أَخْذِ السِّلَاحِ لِيَصِلُوا إِلَى مَقْصُودِهِمْ، فَبَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا وَجْهَ الْحِكْمَةِ فِي الْأَمْرِ بِأَخْذِ السِّلَاحِ، وَذَكَرَ الْحَذَرَ فِي الطَّائِفَةِ الثَّانِيةِ دُونَ الْأُولَى، لِأَنَّهَا أَوْلَى بِأَخْذِ الْحَذَرِ، لِأَنَّ الْعَدُوَّ لَا يُؤَخِّرُ قَصْدَهُ عَنْ هَذَا الْوَقْتِ لِأَنَّهُ آخِرُ الصَّلَاةِ، وَأَيْضًا يَقُولُ الْعَدُوُّ قَدْ أَثْقَلَهُمُ السِّلَاحُ وَكَلُّوا. وَفِي هَذِهِ الْآيَةِ أَدَلُّ دَلِيلٍ عَلَى تَعَاطِي الْأَسْبَابِ، وَاتِّخَاذِ كُلِّ مَا يُنْجِي ذَوِي الْأَلْبَابِ، وَيُوصِلُ إِلَى السَّلَامَةِ، وَيُبَلِّغُ دَارَ الْكَرَامَةِ. وَمَعْنَى (مَيْلَةً واحِدَةً) مُبَالَغَةً، أَيْ مُسْتَأْصِلَةً لَا يُحْتَاجُ مَعَهَا إِلَى ثَانِيَةٍ. الْحَادِيَةُ عَشْرَةَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ) الْآيَةَ. لِلْعُلَمَاءِ فِي وُجُوبِ حَمْلِ السِّلَاحِ فِي الصَّلَاةِ كَلَامٌ قَدْ أَشَرْنَا إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَجِبْ فَيُسْتَحَبُّ لِلِاحْتِيَاطِ. ثُمَّ رُخِّصَ فِي الْمَطَرِ وَضْعُهُ، لِأَنَّهُ تَبْتَلُّ الْمُبَطَّنَاتُ وَتَثْقُلُ وَيَصْدَأُ الْحَدِيدُ. وَقِيلَ: نَزَلَتْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَطْنِ نَخْلَةَ «١» لَمَّا انْهَزَمَ الْمُشْرِكُونَ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ يَوْمًا مَطِيرًا وَخَرَجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِقَضَاءِ حَاجَتِهِ وَاضِعًا سِلَاحَهُ، فَرَآهُ الْكُفَّارُ مُنْقَطِعًا عَنْ أَصْحَابِهِ فَقَصَدَهُ غَوْرَثُ بْنُ الْحَارِثِ فَانْحَدَرَ عَلَيْهِ مِنَ الْجَبَلِ بِسَيْفِهِ، فَقَالَ: مَنْ يَمْنَعُكَ مِنِّي الْيَوْمَ؟ فَقَالَ: (اللَّهُ) ثُمَّ قَالَ: (اللَّهُمَّ اكْفِنِي الْغَوْرَثَ بِمَا شِئْتَ). فَأَهْوَى بِالسَّيْفِ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَضْرِبَهُ، فَانْكَبَّ لِوَجْهِهِ «٢» لِزَلَقَةٍ زَلِقَهَا. وَذَكَرَ الْوَاقِدِيُّ أَنَّ جبريل عليه


(١). قرية قريبة من المدينة.
(٢). في ز: على وجهه.