الِاسْتِثْنَاءُ الْمُنْقَطِعُ. وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَتَكُونُ (مَنْ) فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، أَيْ لَكِنْ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَدَعَا إِلَيْهِ فَفِي نَجْوَاهُ خَيْرٌ. وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ (مَنْ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ: لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا نَجْوَى مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ حُذِفَ. وَعَلَى الثَّانِي وَهُوَ أَنْ يَكُونَ النَّجْوَى اسْمًا لِلْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدِينَ، فَتَكُونُ (مَنْ) فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَلَى الْبَدَلِ، أَيْ لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا فِيمَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ. أَوْ تَكُونُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ: مَا مَرَرْتُ بِأَحَدٍ إِلَّا زَيْدًا. وَقَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمُ الزَّجَّاجُ: النَّجْوَى كَلَامُ الْجَمَاعَةِ الْمُنْفَرِدَةِ أَوِ الِاثْنَيْنِ كَانَ ذَلِكَ سِرًّا أَوْ جَهْرًا، وَفِيهِ بُعْدٌ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَالْمَعْرُوفُ لَفْظٌ يَعُمُّ أَعْمَالَ الْبِرِّ كُلَّهَا. وَقَالَ مُقَاتِلٌ: الْمَعْرُوفُ هُنَا الْفَرْضُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ وَإِنَّ مِنَ الْمَعْرُوفِ أَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ طَلْقٍ). وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْمَعْرُوفُ كَاسْمِهِ وَأَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ الْمَعْرُوفُ وَأَهْلُهُ). وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا يُزَهِّدَنَّكَ فِي الْمَعْرُوفِ كُفْرُ مَنْ كَفَرَهُ، فَقَدْ يَشْكُرُ الشَّاكِرُ بِأَضْعَافِ جُحُودِ الْكَافِرِ. وَقَالَ الْحُطَيْئَةُ:
مَنْ يَفْعَلِ الْخَيْرَ لَا يَعْدَمْ جَوَازِيَهُ «١» ... لَا يَذْهَبُ الْعُرْفُ بَيْنَ اللَّهِ وَالنَّاسِ
وَأَنْشَدَ الرَّيَاشِيُّ:
يَدُ الْمَعْرُوفِ غُنْمٌ حَيْثُ كَانَتْ ... تَحَمَّلَهَا كَفُورٌ أَوْ شَكُورُ
فَفِي شُكْرِ الشَّكُورِ لَهَا جَزَاءٌ ... وَعِنْدَ اللَّهِ مَا كَفَرَ الْكَفُورُ
وَقَالَ الْمَاوَرْدِيُّ: (فَيَنْبَغِي لِمَنْ يَقْدِرُ عَلَى إِسْدَاءِ الْمَعْرُوفِ أَنْ يُعَجِّلَهُ حَذَارِ فَوَاتِهِ، وَيُبَادِرَ بِهِ خِيفَةَ عَجْزِهِ، وَلْيَعْلَمْ أَنَّهُ مِنْ فُرَصِ زَمَانِهِ، وَغَنَائِمِ إِمْكَانِهِ، وَلَا يُهْمِلْهُ ثِقَةً بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ، فَكَمْ مِنْ وَاثِقٍ بِالْقُدْرَةِ فَاتَتْ فَأَعْقَبَتْ نَدَمًا، وَمُعَوِّلٍ عَلَى مُكْنَةٍ زَالَتْ فَأَوْرَثَتْ خَجَلًا، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ:
مَا زِلْتُ أَسْمَعُ كَمْ مِنْ وَاثِقٍ خَجِلٍ ... حَتَّى ابْتُلِيتُ فَكُنْتُ الْوَاثِقَ الْخَجِلَا
وَلَوْ فَطِنَ لِنَوَائِبِ دَهْرِهِ، وَتَحَفَّظَ مِنْ عَوَاقِبِ أَمْرِهِ لَكَانَتْ مَغَانِمُهُ مَذْخُورَةً، وَمَغَارِمُهُ مَجْبُورَةً، فَقَدْ رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (من فتح عليه باب من الخير
(١). في كل الأصول: جوائزه.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute