للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثَابِتٌ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، وَكَانَ يَقُولُ: هُوَ نَمَاءُ «١» خَلْقِ اللَّهِ، وَكَرِهَ ذَلِكَ عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ مَرْوَانَ. وَقَالَ الْأَوْزَاعِيُّ: كَانُوا يَكْرَهُونَ خِصَاءَ كل شي لَهُ نَسْلٌ. وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِيهِ حَدِيثَانِ: أَحَدُهُمَا عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ خِصَاءِ الْغَنَمِ وَالْبَقَرِ وَالْإِبِلِ وَالْخَيْلِ. وَالْآخَرُ حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنْ صَبْرِ «٢» الرُّوحِ وَخِصَاءِ الْبَهَائِمِ. وَالَّذِي فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ هَذَا الْبَابِ مَا ذَكَرَهُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يَكْرَهُ الْإِخْصَاءَ وَيَقُولُ: فِيهِ تَمَامُ الْخَلْقِ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: يَعْنِي فِي تَرْكِ الْإِخْصَاءِ تَمَامُ الْخَلْقِ، وَرُوِيَ نَمَاءُ الْخَلْقِ. قُلْتُ: أَسْنَدَهُ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْغَنِيِّ مِنْ حَدِيثِ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول: (لَا تَخْصُوا مَا يُنَمِّي خَلْقَ اللَّهِ). رَوَاهُ عَنِ الدَّارَقُطْنِيِّ شَيْخُهُ، قَالَ: حَدَّثَنَا [أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْمُعَدِّلُ حَدَّثَنَا «٣»] عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ حَدَّثَنَا أَبُو مَالِكٍ النَّخَعِيُّ عَنْ عُمَرَ بْنِ إِسْمَاعِيلَ، فَذَكَرَهُ. قَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ: وَرَوَاهُ عَبْدُ الصَّمَدِ بْنُ النُّعْمَانِ عَنْ أَبِي مَالِكٍ. الْخَامِسَةُ- وَأَمَّا الْخِصَاءُ فِي الْآدَمِيِّ فَمُصِيبَةٌ، فَإِنَّهُ إِذَا خُصِيَ بَطَلَ قَلْبُهُ وَقُوَّتُهُ، عَكْسُ الْحَيَوَانِ، وَانْقَطَعَ نَسْلُهُ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (تَنَاكَحُوا تَنَاسَلُوا فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمُ الْأُمَمَ «٤») ثُمَّ إِنَّ فِيهِ أَلَمًا عَظِيمًا رُبَّمَا يُفْضِي بِصَاحِبِهِ إِلَى الْهَلَاكِ، فَيَكُونُ فِيهِ تَضْيِيعُ مَالٍ وَإِذْهَابُ نَفْسٍ، وَكُلُّ ذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ. ثُمَّ هَذِهِ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمُثْلَةِ، وَهُوَ صَحِيحٌ. وَقَدْ كَرِهَ جَمَاعَةٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْحِجَازِيِّينَ وَالْكُوفِيِّينَ شِرَاءَ الْخَصِيِّ مِنَ الصَّقَالِبَةِ وَغَيْرِهِمْ وَقَالُوا: لَوْ لَمْ يُشْتَرَوْا مِنْهُمْ لَمْ يُخْصَوْا. وَلَمْ يَخْتَلِفُوا أَنَّ خِصَاءَ بَنِي آدَمَ لَا يَحِلُّ وَلَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ مُثْلَةٌ وَتَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى، وَكَذَلِكَ قَطْعُ سَائِرِ أَعْضَائِهِمْ في غير حد ولا قود، قال أَبُو عُمَرَ. السَّادِسَةُ- وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَاعْلَمْ أَنَّ الْوَسْمَ وَالْإِشْعَارَ مُسْتَثْنًى مِنْ نَهْيِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ شَرِيطَةِ الشَّيْطَانِ، وَهِيَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ نَهْيِهِ عَنْ تَعْذِيبِ الْحَيَوَانِ بِالنَّارِ، وَالْوَسْمُ: الْكَيُّ بِالنَّارِ وَأَصْلُهُ الْعَلَامَةُ، يُقَالُ: وَسَمَ الشَّيْءَ يَسِمُهُ إِذَا عَلَّمَهُ بِعَلَامَةٍ يُعْرَفُ بِهَا، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ «٥»). فَالسِّيمَا الْعَلَامَةُ وَالْمِيسَمُ الْمِكْوَاةُ. وَثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أنس


(١). في ج، ط، ز: هو مما خلق الله.
(٢). صبر الإنسان وغيره على القتل: هو أن يحبس ثم يرمى بشيء حتى يموت.
(٣). كذا في كل الأصول بالدال المهملة، ولعله أَبُو عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المعذل بالمعجمة.
(٤). كذا في الأصول وكثير من الكتب. وصحته الرواية كما في البيهق (تناكحوا تكثروا فانى أباهي بكم الأمم يوم القيامة) راجع كشف الخفا ج ١ ص ٣١٨.
(٥). راجع ج ١٦ ص ٢٩٢