للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّامِنَةُ- قُلْتُ: وَمِنْ هَذَا الْبَابِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ وَالْوَاشِمَةَ وَالْمُسْتَوْشِمَةَ) أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ. فَنَهَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَصْلِ الْمَرْأَةِ شَعْرَهَا، وَهُوَ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ شَعْرٌ آخَرُ يَكْثُرُ بِهِ، وَالْوَاصِلَةُ هِيَ الَّتِي تَفْعَلُ ذَلِكَ، وَالْمُسْتَوْصِلَةُ هِيَ الَّتِي تَسْتَدْعِي مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ بِهَا. مُسْلِمٌ عَنْ جَابِرٍ قَالَ: زَجَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَصِلَ الْمَرْأَةُ بِشَعْرِهَا «١» شَيْئًا. وَخَرَّجَ عَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ قَالَتْ: جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي ابْنَةً عُرَيِّسًا «٢» أَصَابَتْهَا حَصْبَةٌ فَتَمَرَّقَ شَعْرُهَا أَفَأَصِلُهُ؟ فَقَالَ: (لَعَنَ اللَّهُ الْوَاصِلَةَ وَالْمُسْتَوْصِلَةَ). وَهَذَا كُلُّهُ نَصٌّ فِي تَحْرِيمِ وَصْلِ الشَّعْرِ، وَبِهِ قَالَ مالك وجماعة العلماء. ومنعوا الوصل بكل شي مِنَ الصُّوفِ وَالْخِرَقِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى وَصْلِهِ «٣» بِالشَّعْرِ. وَشَذَّ اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ فَأَجَازَ وَصْلَهُ بِالصُّوفِ وَالْخِرَقِ وَمَا لَيْسَ بِشَعْرٍ، وَهَذَا أَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَهْلِ الظَّاهِرِ. وَأَبَاحَ آخَرُونَ وَضْعَ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَقَالُوا: إِنَّمَا جَاءَ النَّهْيُ عَنِ الْوَصْلِ خَاصَّةً، وَهَذِهِ ظَاهِرِيَّةٌ مَحْضَةٌ وَإِعْرَاضٌ عَنِ الْمَعْنَى. وَشَذَّ قَوْمٌ فَأَجَازُوا الْوَصْلَ مُطْلَقًا، وَهُوَ قَوْلٌ بَاطِلٌ قَطْعًا تَرُدُّهُ الْأَحَادِيثُ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا وَلَمْ يَصِحَّ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ سِيرِينَ أَنَّهُ سَأَلَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: إِنَّ أُمِّي كَانَتْ تَمْشُطُ النِّسَاءَ، أَتَرَانِي آكُلُ مِنْ مَالِهَا؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَتْ تَصِلُ فَلَا. وَلَا يَدْخُلُ فِي النَّهْيِ مَا رُبِطَ [مِنْهُ «٤»] بِخُيُوطِ الْحَرِيرِ الْمُلَوَّنَةِ عَلَى وَجْهِ الزِّينَةِ وَالتَّجْمِيلِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. التَّاسِعَةُ- وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُرَادُ بِالتَّغْيِيرِ لِخَلْقِ اللَّهِ هُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْأَحْجَارَ وَالنَّارَ وَغَيْرَهَا مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، لِيُعْتَبَرَ بِهَا وَيُنْتَفَعَ بِهَا، فَغَيَّرَهَا الْكُفَّارُ بِأَنْ جَعَلُوهَا آلِهَةً مَعْبُودَةً. قَالَ الزَّجَّاجُ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ الْأَنْعَامَ لِتُرْكَبَ وَتُؤْكَلَ فَحَرَّمُوهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ، وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالْحِجَارَةَ مُسَخَّرَةً لِلنَّاسِ فَجَعَلُوهَا آلِهَةً يَعْبُدُونَهَا، فَقَدْ غَيَّرُوا مَا خَلَقَ اللَّهُ. وَقَالَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ: مُجَاهِدٌ وَالضَّحَّاكُ وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَقَتَادَةُ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ (فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ) دين الله، وقاله النَّخَعِيُّ، وَاخْتَارَهُ الطَّبَرِيُّ قَالَ: وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ معناه


(١). هكذا في الأصول. وفى صحيح مسلم: (برأسها).
(٢). مريسا (بضم العين وفتح الراء وتشديد الياء المكسورة) تصغير عروس والعريس يقع على المرأة والرجل عند الزواج. وتمرق: انتثر وتساقط.
(٣). في ج: وصل الشعر.
(٤). من ج، ط.