للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَانَ تَخْلِيصُ نَفْسِهِ مِنْ أَعْدَائِهِ وَدَفْعُ شَرِّهِمْ عَنْهُ مِنْ مَقْدُورَاتِهِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، فَإِنِ اعْتَرَفَتِ النَّصَارَى بِذَلِكَ فَقَدْ سَقَطَ قَوْلُهُمْ وَدَعْوَاهُمْ أَنَّهُ كَانَ يَفْعَلُهَا مُسْتَقِلًّا بِهِ، وَإِنْ لَمْ يُسَلِّمُوا ذَلِكَ فَلَا حُجَّةَ لَهُمْ أَيْضًا، لِأَنَّهُمْ مُعَارَضُونَ بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَمَا كَانَ يَجْرِي عَلَى يَدَيْهِ مِنَ الْأُمُورِ الْعِظَامِ، مِثْلَ قَلْبِ الْعَصَا ثُعْبَانًا، وَفَلْقِ الْبَحْرِ وَالْيَدِ الْبَيْضَاءِ وَالْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَكَذَلِكَ مَا جَرَى عَلَى يَدِ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنْ أَنْكَرُوا ذَلِكَ فَنُنْكِرُ مَا يَدَّعُونَهُ هُمْ أَيْضًا مِنْ ظُهُورِهِ عَلَى يَدِ عِيسَى عليه السلام، فلا يمكنهم إثبات شي مِنْ ذَلِكَ لِعِيسَى، فَإِنَّ طَرِيقَ إِثْبَاتِهِ عِنْدَنَا نُصُوصُ الْقُرْآنِ وَهُمْ يُنْكِرُونَ الْقُرْآنَ، وَيُكَذِّبُونَ مَنْ أَتَى بِهِ، فَلَا يُمْكِنُهُمْ إِثْبَاتُ ذَلِكَ بِأَخْبَارِ التَّوَاتُرِ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ النَّصَارَى كَانُوا عَلَى دين الإسلام إحدى وثمانين سنة بعد ما رُفِعَ عِيسَى، يُصَلُّونَ إِلَى الْقِبْلَةِ، وَيَصُومُونَ شَهْرَ رَمَضَانَ، حَتَّى وَقَعَ فِيمَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْيَهُودِ حَرْبٌ، وَكَانَ فِي الْيَهُودِ رَجُلٌ شُجَاعٌ يُقَالُ لَهُ بُولِسُ، قَتَلَ جَمَاعَةً مِنْ أَصْحَابِ عِيسَى فَقَالَ: إِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَ عِيسَى فَقَدْ كَفَرْنَا وَجَحَدْنَا وَإِلَى النَّارِ مَصِيرُنَا، وَنَحْنُ مَغْبُونُونَ «١» إِنْ دَخَلُوا الْجَنَّةَ وَدَخَلْنَا النَّارَ، وَإِنِّي أَحْتَالُ فِيهِمْ فَأَضِلُّهُمْ فَيَدْخُلُونَ النَّارَ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ يُقَالُ لَهَا الْعُقَابُ، فَأَظْهَرَ النَّدَامَةَ وَوَضَعَ عَلَى رَأْسِهِ التُّرَابَ وَقَالَ لِلنَّصَارَى: أَنَا بُولِسُ عَدُوُّكُمْ قَدْ نُودِيتُ مِنَ السَّمَاءِ أَنْ لَيْسَتْ لَكَ تَوْبَةٌ إِلَّا أَنْ تَتَنَصَّرَ، فَأَدْخَلُوهُ فِي الْكَنِيسَةِ بَيْتًا فَأَقَامَ فِيهِ سَنَةً لَا يَخْرُجُ لَيْلًا وَلَا نَهَارًا حَتَّى تَعَلَّمَ الْإِنْجِيلَ، فَخَرَجَ وَقَالَ: نُودِيتُ مِنَ السَّمَاءِ أَنَّ اللَّهَ قَدْ قَبِلَ تَوْبَتَكَ فَصَدَّقُوهُ وَأَحَبُّوهُ، ثُمَّ مَضَى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَاسْتَخْلَفَ عَلَيْهِمْ نُسْطُورَا وَأَعْلَمَهُ أَنَّ عِيسَى بن مريم إله، ثم توجه إلى الروم وعلمهم اللَّاهُوتِ وَالنَّاسُوتِ وَقَالَ: لَمْ يَكُنْ عِيسَى بِإِنْسٍ فَتَأَنَّسَ وَلَا بِجِسْمٍ فَتَجَسَّمَ وَلَكِنَّهُ ابْنُ اللَّهِ. وَعَلَّمَ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ يَعْقُوبُ ذَلِكَ، ثُمَّ دَعَا رَجُلًا يُقَالُ لَهُ الْمَلِكُ «٢» فَقَالَ لَهُ، إِنَّ الْإِلَهَ لَمْ يَزَلْ وَلَا يَزَالُ عِيسَى، فَلَمَّا اسْتَمْكَنَ مِنْهُمْ دَعَا هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةَ وَاحِدًا وَاحِدًا وَقَالَ لَهُ: أَنْتَ خَالِصَتِي وَلَقَدْ رَأَيْتُ الْمَسِيحَ فِي النَّوْمِ وَرَضِيَ عَنِّي، وَقَالَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ: إِنِّي غَدًا أَذْبَحُ نَفْسِي وَأَتَقَرَّبُ


(١). في ج وز مفتونون.
(٢). كذا في الأصول: والذي في كتاب (الملل والنحل) الملكانية أصحاب ملكا الذي ظهر ببلاد الروم واستولى عليها. في (صبح الأعشى) الملكانية هم اتباع ملكان الذي ظهر ببلاد الروم، فهو ملكا أو ملكان. وسيأتي ذكر الملكانية ص ١١٨