حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيِّ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَيْدِ الْكَلْبِ: (إِذَا أَرْسَلْتَ كَلْبَكَ وَذَكَرْتَ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ فَكُلْ وَإِنْ أَكَلَ مِنْهُ وَكُلْ مَا ردت عليك يدك) أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرُوِيَ عَنْ عَدِيٍّ وَلَا يَصِحُّ، وَالصَّحِيحُ عَنْهُ حَدِيثُ مُسْلِمٍ، وَلَمَّا تَعَارَضَتِ الرِّوَايَتَانِ رَامَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا وَغَيْرِهِمِ الْجَمْعَ بَيْنَهُمَا فَحَمَلُوا حَدِيثَ النَّهْيِ عَلَى التَّنْزِيهِ وَالْوَرَعِ، وَحَدِيثَ الْإِبَاحَةِ عَلَى الْجَوَازِ، وَقَالُوا: إِنَّ عَدِيًّا كَانَ مُوَسَّعًا عَلَيْهِ فَأَفْتَاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْكَفِّ وَرَعًا، وَأَبَا ثَعْلَبَةَ كَانَ مُحْتَاجًا فَأَفْتَاهُ بِالْجَوَازِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى صحة هذا التأويل قول عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي حَدِيثِ عَدِيٍّ: (فَإِنِّي أَخَافُ أَنْ يَكُونَ إِنَّمَا أَمْسَكَ عَلَى نَفْسِهِ) هَذَا تَأْوِيلُ عُلَمَائِنَا. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ فِي كِتَابِ" الِاسْتِذْكَارِ": وَقَدْ عَارَضَ حَدِيثَ عَدِيٍّ هَذَا حَدِيثُ أَبِي ثَعْلَبَةَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ حَدِيثَ أَبِي ثَعْلَبَةَ نَاسِخٌ لَهُ، فَقَوْلُهُ: وَإِنْ أَكَلَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: (وَإِنْ أَكَلَ). قُلْتُ: هَذَا فِيهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ التَّارِيخَ مَجْهُولٌ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ الْحَدِيثَيْنِ أَوْلَى مَا لَمْ يُعْلَمِ التَّارِيخُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَأَمَّا أَصْحَابُ الشَّافِعِيِّ فَقَالُوا: إِنْ كَانَ الْأَكْلُ عَنْ فَرْطِ جُوعٍ مِنَ الْكَلْبِ أُكِلَ وَإِلَّا لَمْ يُؤْكَلْ، فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ سُوءِ تَعْلِيمِهِ. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ قَوْمٍ مِنَ السَّلَفِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْكَلْبُ وَالْفَهْدُ فَمَنَعُوهُ، وَبَيْنَ مَا أَكَلَ مِنْهُ الْبَازِي فَأَجَازُوهُ، قال النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ، وَحُكِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا: الْكَلْبُ وَالْفَهْدُ يُمْكِنُ ضَرْبُهُ وَزَجْرُهُ، وَالطَّيْرُ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِيهِ، وَحَدُّ تَعْلِيمِهِ أَنْ يُدْعَى فَيُجِيبُ، وَأَنْ يُشْلَى فَيَنْشَلِي، لَا يُمْكِنُ فِيهِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، وَالضَّرْبُ يُؤْذِيهِ. الْعَاشِرَةُ- وَالْجُمْهُورُ مِنَ العلماء عل أَنَّ الْجَارِحَ إِذَا شَرِبَ مِنْ دَمِ الصَّيْدِ أَنَّ الصَّيْدَ يُؤْكَلُ، قَالَ عَطَاءٌ: لَيْسَ شُرْبُ الدَّمِ بِأَكْلٍ، وَكَرِهَ أَكْلَ ذَلِكَ الصَّيْدِ الشَّعْبِيُّ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَلَا خِلَافَ بَيْنِهِمْ أَنَّ سَبَبَ إِبَاحَةِ الصَّيْدِ الَّذِي هُوَ عَقْرُ الْجَارِحِ لَهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ مُتَحَقِّقًا غَيْرَ مَشْكُوكٍ فِيهِ، وَمَعَ الشَّكِّ لَا يَجُوزُ الْأَكْلُ، وَهِيَ: الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ- فَإِنْ وَجَدَ الصَّائِدُ مَعَ كَلْبِهِ كَلْبًا آخَرَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ غَيْرُ مُرْسَلٍ مِنْ صَائِدٍ آخَرَ، وَأَنَّهُ إِنَّمَا انْبَعَثَ فِي طَلَبِ الصَّيْدِ بِطَبْعِهِ وَنَفْسِهِ، وَلَا يُخْتَلَفُ فِي هَذَا، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute