للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قُلْتُ: وَلَا تَعَارُضَ بَيْنَ هَذَا وَالْأَوَّلِ، فَإِنَّ ذَلِكَ الْجَبَّارَ الَّذِي أَخَذَهُمْ فِي كُمِّهِ- وَيُقَالُ: فِي حِجْرِهِ- هُوَ عُوجُ «١» بْنُ عُنَاقٍ وَكَانَ أَطْوَلَهُمْ قَامَةً وَأَعْظَمَهُمْ خَلْقًا، عَلَى مَا يَأْتِي مِنْ ذِكْرِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَكَانَ طول سائرهم ستة أذرع ونصف فِي قَوْلِ مُقَاتِلٍ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: كَانَ طُولُ كُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ ثَمَانِينَ ذِرَاعًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ. فَلَمَّا أَذَاعُوا الْخَبَرَ مَا عَدَا يُوشَعَ وَكَالِبَ ابن يُوقِنَا، وَامْتَنَعَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مِنَ الْجِهَادِ عُوقِبُوا بِالتِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً إِلَى أَنْ مَاتَ أُولَئِكَ الْعُصَاةُ وَنَشَأَ أَوْلَادُهُمْ، فَقَاتَلُوا الْجَبَّارِينَ وَغَلَبُوهُمْ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلا تَرْتَدُّوا عَلى أَدْبارِكُمْ) أَيْ لَا تَرْجِعُوا عَنْ طَاعَتِي وَمَا أَمَرْتُكُمْ بِهِ مِنْ قِتَالِ الْجَبَّارِينَ. وَقِيلَ: لَا تَرْجِعُوا عَنْ طَاعَةِ اللَّهِ إِلَى مَعْصِيَتِهِ، وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالُوا يَا مُوسى إِنَّ فِيها قَوْماً جَبَّارِينَ) أَيْ عِظَامُ الْأَجْسَامِ طِوَالٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، يُقَالُ: نَخْلَةٌ جَبَّارَةٌ أَيْ طَوِيلَةٌ. وَالْجَبَّارُ الْمُتَعَظِّمُ الْمُمْتَنِعُ مِنَ الذُّلِّ وَالْفَقْرِ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: الْجَبَّارُ مِنَ الْآدَمِيِّينَ الْعَاتِي، وَهُوَ الَّذِي يُجْبِرُ النَّاسَ عَلَى مَا يُرِيدُ، فَأَصْلُهُ عَلَى هَذَا مِنَ الْإِجْبَارِ وَهُوَ الْإِكْرَاهُ، فَإِنَّهُ يُجْبِرُ غَيْرَهُ عَلَى مَا يُرِيدُهُ، وَأَجْبَرَهُ أَيْ أَكْرَهَهُ. وَقِيلَ: هُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ جَبْرِ الْعَظْمِ، فَأَصْلُ الْجَبَّارِ عَلَى هَذَا الْمُصْلِحُ أَمْرَ نَفْسِهِ، ثُمَّ اسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَنْ جَرَّ لِنَفْسِهِ نَفْعًا بِحَقٍّ أَوْ بَاطِلٍ. وَقِيلَ: إِنَّ جَبْرَ الْعَظْمِ رَاجِعٌ إِلَى مَعْنَى الْإِكْرَاهِ. قَالَ الْفَرَّاءُ: لَمْ أَسْمَعْ فَعَّالًا مِنْ أَفْعَلَ إِلَّا فِي حَرْفَيْنِ، جَبَّارٌ مِنْ أَجْبَرَ وَدَرَّاكٌ مِنْ أَدْرَكَ. ثُمَّ قِيلَ: كَانَ هَؤُلَاءِ مِنْ بَقَايَا عَادٍ. وَقِيلَ: هُمْ مِنْ وَلَدِ عيصو بْنِ إِسْحَاقَ، وَكَانُوا مِنَ الرُّومِ، وَكَانَ مَعَهُمْ عُوجٌ الْأَعْنَقُ، وَكَانَ طُولُهُ ثَلَاثَةَ آلَافِ «٢» ذِرَاعٍ وثلاثمائة وَثَلَاثَةً وَثَلَاثِينَ ذِرَاعًا، قَالَهُ ابْنُ عُمَرَ، وَكَانَ يَحْتَجِنُ السَّحَابَ أَيْ يَجْذِبُهُ بِمِحْجَنِهِ وَيَشْرَبُ مِنْهُ، وَيَتَنَاوَلُ الْحُوتَ مِنْ قَاعِ الْبَحْرِ فَيَشْوِيهِ بِعَيْنِ الشَّمْسِ يَرْفَعُهُ إِلَيْهَا ثُمَّ يَأْكُلُهُ. وَحَضَرَ طُوفَانَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَلَمْ يُجَاوِزْ رُكْبَتَيْهِ وَكَانَ عمره ثلاثة آلاف


(١). عوج بن عناق: هكذا في الأصول. والذي ذكر في القاموس مادة (عوق) (وعوق كنوح والد عوج الطويل ومن قال: عوج بن عنق فقد أخطأ) وقال في شرحه: (هذا الذي خطأه هو المشهور على الألسنة قال شيخنا: وزعم قوم من حفاظ التواريخ أن عنق هي أم عوج وعوق أبوه فلا خطأ ولا غلط، وفي شعر عرقلة الدمشقي المذكور في بدائع البداية المتوفى سنة ٥٦٧ (أعور الرجال يمشي: خلف عوج بن عناق) وهو ثقة عارف. (عن القاموس وشرحه).
(٢). في ج وهـ وك وز: ثلاثة آلاف وعشرون ألفا. إلخ. [ ..... ]