للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صَاحِبَ زَرْعٍ- وَاخْتَارَهَا مِنْ أَرْدَأِ زَرْعِهِ، ثُمَّ إِنَّهُ وَجَدَ فِيهَا سُنْبُلَةً طَيِّبَةً فَفَرَكَهَا وَأَكَلَهَا. وَكَانَ قُرْبَانُ هَابِيلَ كَبْشًا- لِأَنَّهُ كَانَ صَاحِبَ غَنَمٍ- أَخَذَهُ مِنْ أَجْوَدِ غَنَمِهِ." فَتُقُبِّلَ" فَرُفِعَ إِلَى الْجَنَّةِ، فَلَمْ يَزَلْ يَرْعَى فِيهَا إِلَى أَنْ فُدِيَ بِهِ الذَّبِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَهُ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ وَغَيْرُهُ. فَلَمَّا تُقُبِّلَ قُرْبَانُ هَابِيلَ لِأَنَّهُ كَانَ مُؤْمِنًا- قَالَ لَهُ قَابِيلُ حسدا: أنه كَانَ كَافِرًا- أَتَمْشِي عَلَى الْأَرْضِ يَرَاكَ النَّاسُ أَفْضَلَ مِنِّي! " لَأَقْتُلَنَّكَ" وَقِيلَ: سَبَبُ هَذَا الْقُرْبَانِ أَنَّ حَوَّاءَ عَلَيْهَا السَّلَامُ كَانَتْ تَلِدُ فِي كُلِّ بَطْنٍ ذَكَرًا وَأُنْثَى- إِلَّا شِيثَا عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّهَا وَلَدَتْهُ مُنْفَرِدًا عِوَضًا مِنْ هَابِيلَ عَلَى مَا يَأْتِي، وَاسْمُهُ هِبَةُ اللَّهِ، لِأَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ لِحَوَّاءَ لَمَّا وَلَدَتْهُ: هَذَا هِبَةُ اللَّهِ لَكِ بَدَلَ هَابِيلَ. وَكَانَ آدَمُ يَوْمَ وُلِدَ شِيثُ ابْنَ ثَلَاثِينَ «١» وَمِائَةِ سَنَةٍ- وَكَانَ يُزَوِّجُ الذَّكَرَ مِنْ هَذَا الْبَطْنِ الْأُنْثَى مِنَ الْبَطْنِ الْآخَرِ، وَلَا تَحِلُّ لَهُ أُخْتُهُ تَوْأَمَتُهُ، فَوَلَدَتْ مَعَ قَابِيلَ أُخْتًا جَمِيلَةً وَاسْمُهَا إِقْلِيمِيَاءَ، وَمَعَ هَابِيلَ أُخْتًا لَيْسَتْ كَذَلِكَ وَاسْمُهَا لِيُوذَا، فَلَمَّا أَرَادَ آدَمُ تَزْوِيجَهُمَا قَالَ قَابِيلُ: أَنَا أَحَقُّ بِأُخْتِي، فَأَمَرَهُ آدَمُ فَلَمْ يَأْتَمِرْ، وَزَجَرَهُ فَلَمْ يَنْزَجِرْ، فَاتَّفَقُوا عَلَى التَّقْرِيبِ، قال جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ مِنْهُمِ ابْنُ مَسْعُودٍ. وَرُوِيَ أَنَّ آدَمَ حَضَرَ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَقَدْ رُوِيَ فِي هَذَا الْبَابِ عَنْ جَعْفَرِ الصَّادِقِ: أَنَّ آدَمَ لَمْ يَكُنْ يُزَوِّجُ ابْنَتَهُ مِنِ ابْنِهِ، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ آدَمُ لَمَا رَغِبَ عَنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَا كان دين آدم إلا يكن النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَهَبَطَ آدَمَ وَحَوَّاءَ إِلَى الْأَرْضِ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا وَلَدَتْ حَوَّاءُ بِنْتًا فَسَمَّاهَا عَنَاقًا فَبَغَتْ، وَهِيَ أَوَّلُ مَنْ بَغَى عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ، فَسَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهَا مَنْ قَتَلَهَا، ثُمَّ وَلَدَتْ لِآدَمَ قَابِيلَ، ثُمَّ وَلَدَتْ لَهُ هَابِيلَ، فَلَمَّا أَدْرَكَ قَابِيلُ أَظْهَرَ اللَّهُ لَهُ جِنِّيَّةً مِنْ وَلَدِ الْجِنِّ، يُقَالُ لَهَا: جَمَّالَةٌ فِي صُورَةِ إِنْسِيَّةٍ، وَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى آدَمَ أَنْ زَوِّجْهَا مِنْ قَابِيلَ فَزَوَّجَهَا مِنْهُ. فَلَمَّا أَدْرَكَ هَابِيلَ أَهْبَطَ اللَّهُ إِلَى آدَمَ حُورِيَّةً «٢» فِي صِفَةٍ إِنْسِيَّةٍ وَخَلَقَ لَهَا رَحِمًا، وَكَانَ اسْمُهَا بَزْلَةَ، فَلَمَّا نَظَرَ إِلَيْهَا هَابِيلُ أَحَبَّهَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى آدَمَ أَنْ زَوِّجْ بَزْلَةَ مِنْ هَابِيلَ فَفَعَلَ. فَقَالَ قَابِيلُ: يَا أَبَتِ أَلَسْتُ أَكْبَرَ مِنْ أَخِي؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَكُنْتُ أَحَقَّ بِمَا فَعَلْتَ بِهِ مِنْهُ! فَقَالَ لَهُ آدَمُ: يَا بُنَيَّ إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَنِي بِذَلِكَ، وَإِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، وَلَكِنَّكَ آثَرْتَهُ عَلَيَّ. فَقَالَ آدَمُ:" فَقَرِّبَا قُرْبَانًا فَأَيُّكُمَا يُقْبَلُ قُرْبَانُهُ فهو أحق بالفضل".


(١). في ج وى: ثمانين.
(٢). في ج وى: حوراء.