للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ) قِيلَ: مَعْنَاهُ مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِذَا الْتَقَى الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ) قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا الْقَاتِلُ فَمَا بَالُ الْمَقْتُولِ؟ قَالَ: (إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ) وَكَانَ هَابِيلُ أَرَادَ أَنِّي لَسْتُ بِحَرِيصٍ عَلَى قَتْلِكَ، فَالْإِثْمُ الَّذِي كَانَ يَلْحَقُنِي لَوْ كُنْتُ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِكَ أُرِيدُ أَنْ تَحْمِلَهُ أَنْتَ مَعَ إِثْمِكَ فِي قَتْلِي. وَقِيلَ: الْمَعْنَى" بِإِثْمِي" الَّذِي يَخْتَصُّ بِي فِيمَا فَرَّطْتُ «١»، أَيْ يُؤْخَذُ مِنْ سَيِّئَاتِي فَتُطْرَحُ عَلَيْكَ بِسَبَبِ ظُلْمِكَ لِي، وَتَبُوءَ بِإِثْمِكَ فِي قَتْلِكَ، وَهَذَا يُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: (يُؤْتَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالظَّالِمِ وَالْمَظْلُومِ فَيُؤْخَذُ مِنْ حَسَنَاتِ الظَّالِمِ فَتُزَادُ فِي حَسَنَاتِ الْمَظْلُومِ حَتَّى يَنْتَصِفَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ لَهُ حَسَنَاتٌ أُخِذَ مِنْ سَيِّئَاتِ الْمَظْلُومِ فَتُطْرَحُ عَلَيْهِ (. أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِمَعْنَاهُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ، وَيُعَضِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:) وَلَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَأَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ «٢» (. وَهَذَا بَيِّنٌ لَا إِشْكَالَ فِيهِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى إِنِّي أُرِيدُ أَلَّا تَبُوءَ بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَأَلْقى فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ" «٣»] النحل: ١٥] أي لئلا تميد بكم. وقول تعالى:" يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا" «٤»] النساء: ١٧٦] أَيْ لِئَلَّا تَضِلُّوا فَحَذَفَ" لَا". قُلْتُ: وَهَذَا ضَعِيفٌ، لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَا تُقْتَلُ نَفْسٌ ظُلْمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابْنِ آدَمَ الْأَوَّلِ كِفْلٌ مِنْ دَمِهَا لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ سَنَّ الْقَتْلَ)، فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ إِثْمَ الْقَتْلِ حَاصِلٌ، وَلِهَذَا قَالَ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ: إِنَّ الْمَعْنَى، تَرْجِعُ بِإِثْمِ قَتْلِي وَإِثْمِكَ الَّذِي عَمِلْتُهُ قَبْلَ قَتْلِي. قَالَ الثَّعْلَبِيُّ: هَذَا قَوْلُ عَامَّةِ أَكْثَرِ الْمُفَسِّرِينَ. وَقِيلَ: هُوَ اسْتِفْهَامٌ، أَيْ أَوَ إِنِّي أُرِيدُ؟ عَلَى جِهَةِ الْإِنْكَارِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَتِلْكَ نِعْمَةٌ" «٥» أَيْ أَوَ تِلْكَ نِعْمَةٌ؟ وَهَذَا لِأَنَّ إِرَادَةَ القتل معصية.] حكاه القشيري [«٦» وسيل أَبُو الْحَسَنِ بْنُ كَيْسَانَ: كَيْفَ يُرِيدُ الْمُؤْمِنُ أَنْ يَأْثَمَ أَخُوهُ وَأَنْ يَدْخُلَ النَّارَ؟ فَقَالَ: إنما وقعت الإرادة بعد ما بَسَطَ يَدَهُ إِلَيْهِ بِالْقَتْلِ، وَالْمَعْنَى: لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي لَأَمْتَنِعَنَّ مِنْ ذَلِكَ مُرِيدًا لِلثَّوَابِ، فَقِيلَ لَهُ: فَكَيْفَ قَالَ: بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ، وَأَيُ إِثْمٍ لَهُ إِذَا قُتِلَ؟ فَقَالَ: فِيهِ ثَلَاثَةُ أَجْوِبَةٍ، أَحَدُهَا- أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِ قَتْلِي وإثم ذنبك الذي من


(١). في ج وى: فرط لي.
(٢). راجع ج ١٣ ص ٣٣٠.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٩٠. [ ..... ]
(٤). راجع عن ٢٩ من هذا الجزء.
(٥). راجع ج ١٣ ص ٩٣.
(٦). من ج وى وك وز وهـ.