للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّانِيَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيمَنْ يَسْتَحِقُّ اسْمَ الْمُحَارَبَةِ، فَقَالَ مَالِكٌ: الْمُحَارِبُ عِنْدَنَا مَنْ حَمَلَ عَلَى النَّاسِ فِي مِصْرَ أَوْ فِي بَرِّيَّةٍ وَكَابَرَهُمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ دُونَ نَائِرَةٍ «١» وَلَا ذَحْلَ «٢» وَلَا عَدَاوَةَ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: اخْتُلِفَ عَنْ مَالِكٍ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَأَثْبَتَ الْمُحَارَبَةَ فِي الْمِصْرِ مَرَّةً وَنَفَى ذَلِكَ مَرَّةً، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: حُكْمُ ذَلِكَ فِي الْمِصْرِ أَوْ فِي الْمَنَازِلِ وَالطُّرُقِ وَدِيَارِ أَهْلِ الْبَادِيَةِ وَالْقُرَى سَوَاءٌ وَحُدُودُهُمْ وَاحِدَةٌ، وَهَذَا قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي ثَوْرٍ، قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: كَذَلِكَ هُوَ لِأَنَّ كُلًّا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الْمُحَارَبَةِ، وَالْكِتَابُ عَلَى الْعُمُومِ، وَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُخْرِجَ مِنْ جُمْلَةِ الْآيَةِ قَوْمًا بِغَيْرِ حُجَّةٍ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَا تَكُونُ الْمُحَارَبَةُ فِي الْمِصْرِ إِنَّمَا تَكُونُ خَارِجًا عَنِ الْمِصْرِ، هَذَا قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَإِسْحَاقَ وَالنُّعْمَانِ. وَالْمُغْتَالُ كَالْمُحَارِبِ وَهُوَ الَّذِي يَحْتَالُ فِي قَتْلِ إِنْسَانٍ عَلَى أَخْذِ مَالِهِ، وَإِنْ لَمْ يُشْهِرِ السِّلَاحَ لَكِنْ دَخَلَ عَلَيْهِ بَيْتَهُ أَوْ صَحِبَهُ فِي سَفَرٍ فَأَطْعَمَهُ سُمًّا فَقَتَلَهُ فَيُقْتَلُ حَدًّا لَا قَوَدًا. الثَّالِثَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي حُكْمِ الْمُحَارِبِ، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: يُقَامُ عَلَيْهِ بِقَدْرِ فِعْلِهِ، فَمَنْ أَخَافَ السَّبِيلَ وَأَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِنْ أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ ثُمَّ صُلِبَ، فَإِذَا قَتَلَ وَلَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ قُتِلَ، وَإِنْ هُوَ لَمْ يَأْخُذِ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ نُفِيَ، قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ وَالنَّخَعِيِّ وَعَطَاءٍ الْخُرَاسَانِيِّ وَغَيْرِهِمْ. وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ صُلِبَ وَقُتِلَ عَلَى الْخَشَبَةِ، قَالَ اللَّيْثُ: بِالْحَرْبَةِ مَصْلُوبًا. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: إِذَا قَتَلَ قُتِلَ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَلَمْ يَقْتُلْ قُطِعَتْ يَدُهُ وَرِجْلُهُ مِنْ خِلَافٍ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ فَالسُّلْطَانُ مُخَيَّرٌ فِيهِ، إِنْ شَاءَ قَطَعَ يَدَهُ وَرِجْلَهُ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَقْطَعْ وَقَتَلَهُ وَصَلَبَهُ «٣»، قَالَ أَبُو يُوسُفَ: الْقَتْلُ يَأْتِي عَلَى كُلِّ شي. وَنَحْوَهُ قَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إِذَا أَخَذَ الْمَالَ قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُمْنَى وَحُسِمَتْ، ثُمَّ قُطِعَتْ رِجْلُهُ الْيُسْرَى وَحُسِمَتْ وَخُلِّيَ، لِأَنَّ هَذِهِ الْجِنَايَةَ زَادَتْ عَلَى السَّرِقَةِ بِالْحِرَابَةِ، وَإِذَا قَتَلَ قُتِلَ، وَإِذَا أَخَذَ الْمَالَ وَقَتَلَ قُتِلَ وَصُلِبَ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ: يُصْلَبُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، قَالَ: وَإِنْ حَضَرَ وَكَثَّرَ وَهِيبَ وَكَانَ رِدْءًا لِلْعَدُوِّ


(١). نارت نائرة في الناس: هاجت هائجة.
(٢). الذحل: الثأر.
(٣). في ك: لم يقطع وصلبه.