للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مَا ذُكِرَ مِنِ الِاحْتِمَالِ فَيَكُونُ ذَلِكَ خَاصًّا بِتِلْكَ الْوَاقِعَةِ، إِذْ لَمْ يُسْمَعْ فِي الصَّدْرِ الْأَوَّلِ مَنْ قَبِلَ شَهَادَتَهُمْ فِي مِثْلِ ذَلِكَ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الْخَامِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى:" لَا يَحْزُنْكَ" قَرَأَ نَافِعٌ بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الزَّايِ، وَالْبَاقُونَ بِفَتْحِ الْيَاءِ وَضَمِّ الزَّايِ. وَالْحُزْنُ وَالْحَزَنُ خِلَافُ السُّرُورِ، وَحَزِنَ الرَّجُلُ بِالْكَسْرِ فَهُوَ حَزِنٌ وَحَزِينٌ، وَأَحْزَنَهُ غَيْرُهُ وَحَزَنَهُ أَيْضًا مِثْلُ أَسْلَكَهُ وَسَلَكَهُ، وَمَحْزُونٌ بُنِيَ عَلَيْهِ. قَالَ الْيَزِيدِيُّ: حَزَنَهُ لُغَةُ قُرَيْشٍ، وَأَحْزَنَهُ لُغَةْ تَمِيمٍ، وَقَدْ قُرِئَ بِهِمَا. وَاحْتَزَنَ وَتَحَزَّنَ بِمَعْنًى. وَالْمَعْنَى فِي الْآيَةِ تَأْنِيسٌ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيْ لَا يَحْزُنْكَ مُسَارَعَتُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَكَ النَّصْرَ عَلَيْهِمْ. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (مِنَ الَّذِينَ قالُوا آمَنَّا بِأَفْواهِهِمْ) وَهُمُ الْمُنَافِقُونَ (وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ) أَيْ لَمْ يُضْمِرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ كَمَا نَطَقَتْ بِهِ أَلْسِنَتُهُمْ (وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا) يَعْنِي يَهُودَ الْمَدِينَةِ وَيَكُونُ هَذَا تَمَامَ الْكَلَامِ، ثُمَّ ابْتَدَأَ فَقَالَ" سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ" أَيْ هم سماعون، ومثله" طَوَّافُونَ عَلَيْكُمْ" «١»] النور: ٥٨]. وَقِيلَ الِابْتِدَاءُ مِنْ قَوْلِهِ:" وَمِنَ الَّذِينَ هادُوا" أي وَمِنَ الذِينَ هَادُوا قَوْمٌ سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ، أَيْ قَابِلُونَ لِكَذِبِ رُؤَسَائِهِمْ مِنْ تَحْرِيفِ التَّوْرَاةِ. وَقِيلَ: أَيْ يَسْمَعُونَ كَلَامَكَ يَا مُحَمَّدُ لِيَكْذِبُوا عَلَيْكَ، فَكَانَ فِيهِمْ مَنْ يَحْضُرُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ يَكْذِبُ عَلَيْهِ عِنْدَ عَامَّتِهِمْ، وَيُقَبِّحُ صُورَتَهُ فِي أَعْيُنِهِمْ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ (سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ) وَكَانَ فِي الْمُنَافِقِينَ مَنْ يَفْعَلُ هَذَا. قَالَ الْفَرَّاءُ: وَيَجُوزُ سَمَّاعِينَ وَطَوَّافِينَ، كَمَا قَالَ:" مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا" «٢» وَكَمَا قَالَ:" إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ" «٣»] الطور: ١٧] ثُمَّ قَالَ:" فاكِهِينَ"" آخِذِينَ" «٤». وَقَالَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: إِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ ذَكَرَ الْجَاسُوسَ فِي الْقُرْآنِ بِقَوْلِهِ:" سَمَّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ" وَلَمْ يَعْرِضِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمْ مَعَ عِلْمِهِ بِهِمْ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ تَقَرَّرَتِ الْأَحْكَامُ وَلَا تَمَكَّنَ الْإِسْلَامُ. وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْجَاسُوسِ فِي" الْمُمْتَحِنَةِ" «٥» إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ) أَيْ يَتَأَوَّلُونَهُ عَلَى غَيْرِ تَأْوِيلِهِ بَعْدَ أَنْ فَهِمُوهُ عَنْكَ وَعَرَفُوا مَوَاضِعَهُ الَّتِي أَرَادَهَا اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ، وَبَيَّنَ أَحْكَامَهُ، فَقَالُوا:


(١). راجع ج ١٢ ص ٣٠٦.
(٢). راجع ج ١٤ ص ٢٤٥.
(٣). راجع ج ١٧ ص ٦٤ وص ٧٥.
(٤). راجع ج ١٧ ص ٦٤ وص ٧٥. [ ..... ]
(٥). راجع ج ١٨ ص ٥٣.