للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَيْسَ بِحَرَامٍ. قَالَ أَبُو اللَّيْثِ السَّمَرْقَنْدِيُّ الْفَقِيهُ: وَبِهَذَا نَأْخُذُ، لَا بَأْسَ بِأَنْ يَدْفَعَ الرَّجُلُ عَنْ نَفْسِهِ وَمَالِهِ بِالرِّشْوَةِ. وَهَذَا كَمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ كَانَ بِالْحَبَشَةِ فَرَشَا دِينَارَيْنِ وَقَالَ: إِنَّمَا الْإِثْمُ عَلَى الْقَابِضِ دُونَ الدَّافِعِ، قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَمَنْ جَعَلَ كَسْبَ الْحَجَّامِ وَمَنْ ذَكَرَ مَعَهُ سُحْتًا فَمَعْنَاهُ أَنَّهُ يَسْحَتُ مُرُوءَةَ آخِذِهِ. قُلْتُ: الصَّحِيحُ فِي كَسْبِ الْحَجَّامِ أَنَّهُ طَيِّبٌ، وَمَنْ أَخَذَ طَيِّبًا لَا تَسْقُطُ مُرُوءَتُهُ وَلَا تَنْحَطُّ مَرْتَبَتُهُ. وَقَدْ رَوَى مَالِكٌ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ عَنْ أَنَسٍ أنه قال: احتج رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حَجَمَهُ أَبُو طَيْبَةَ فَأَمَرَ لَهُ] رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ [«١» بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَأَمَرَ أَهْلَهُ أَنْ يُخَفِّفُوا عَنْهُ مِنْ خَرَاجِهِ، قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ كَسْبَ الْحَجَّامِ طَيِّبٌ، لِأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَجْعَلُ ثَمَنًا وَلَا جُعْلًا [وَلَا] «٢» عِوَضًا لِشَيْءٍ مِنَ الْبَاطِلِ. وَحَدِيثُ أَنَسٍ هَذَا نَاسِخٌ لِمَا حَرَّمَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ثَمَنِ الدَّمِ، وَنَاسِخٌ لِمَا كَرِهَهُ مِنْ إِجَارَةِ الْحَجَّامِ. وَرَوَى الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: احْتَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَعْطَى الْحَجَّامَ أَجْرَهُ، وَلَوْ كَانَ سُحْتًا لَمْ يُعْطِهِ. وَالسُّحْتُ وَالسُّحُتُ لُغَتَانِ قُرِئَ بِهِمَا، قَرَأَ أَبُو عَمْرٍو وَابْنُ كَثِيرٍ وَالْكِسَائِيُّ بِضَمَّتَيْنِ، وَالْبَاقُونَ بِضَمِّ السِّينِ وَحْدَهَا. وَرَوَى الْعَبَّاسُ بْنُ الْفَضْلِ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ عَنْ نَافِعٍ" أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ" بِفَتْحِ السِّينِ وَإِسْكَانِ الْحَاءِ وَهَذَا مَصْدَرٌ مِنْ سَحَتَهُ، يُقَالُ: أَسْحَتَ وَسَحَتَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ. وَقَالَ الزَّجَّاجُ: سَحَتَهُ ذَهَبَ بِهِ قَلِيلًا قَلِيلًا. قَوْلُهُ تعالى: (فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ) هَذَا تَخْيِيرٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، ذَكَرَهُ الْقُشَيْرِيُّ، وَتَقَدَّمَ مَعْنَاهُ أَنَّهُمْ كَانُوا أَهْلَ مُوَادَعَةٍ لَا أَهْلَ ذِمَّةٍ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ وَادَعَ الْيَهُودَ. وَلَا يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَ الْكُفَّارِ إِذَا لَمْ يَكُونُوا أَهْلَ ذِمَّةٍ، بَلْ يَجُوزُ الْحُكْمُ إِنْ أَرَدْنَا. فَأَمَّا أَهْلُ الذِّمَّةِ فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْنَا الْحُكْمُ بَيْنَهُمْ إِذَا تَرَافَعُوا إِلَيْنَا؟ قَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ، وَإِنِ ارْتَبَطَتِ الْخُصُومَةُ بِمُسْلِمٍ يَجِبُ الْحُكْمُ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ عَلَى الْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ. وَاخْتَلَفُوا فِي الذِّمِّيِّينَ، فَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ وَأَنَّ الْحَاكِمَ مُخَيَّرٌ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنِ النَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وهو مذهب مالك


(١). من ج وك وهـ وع.
(٢). من ج وك وهـ وع.