للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَقالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ). قَالَ عِكْرِمَةُ: إِنَّمَا قَالَ هَذَا فِنْحَاصُ بْنُ عَازُورَاءَ] لَعَنَهُ اللَّهُ [«١»، وَأَصْحَابُهُ، وَكَانَ لَهُمْ أَمْوَالٌ فَلَمَّا كَفَرُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قل ما لهم، فقالوا: إن الله بخيل، وئد اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنَّا فِي الْعَطَاءِ، فَالْآيَةُ خَاصَّةً فِي بَعْضِهِمْ. وَقِيلَ: لَمَّا قَالَ قَوْمٌ هَذَا وَلَمْ يُنْكِرِ الْبَاقُونَ صَارُوا كَأَنَّهُمْ بِأَجْمَعِهِمْ قَالُوا هَذَا. وَقَالَ الْحَسَنُ: الْمَعْنَى يَدُ اللَّهِ مَقْبُوضَةٌ عَنْ عَذَابِنَا. وَقِيلَ: إِنَّهُمْ لَمَّا رَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي فَقْرٍ وَقِلَّةِ مَالٍ وَسَمِعُوا (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً) «٢» وَرَأَوُا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ يَسْتَعِينُ بِهِمْ فِي الدِّيَاتِ قَالُوا: إِنَّ إِلَهَ مُحَمَّدٍ فَقِيرٌ، وَرُبَّمَا قَالُوا: بَخِيلٌ، وَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِمْ: (يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ) فَهَذَا عَلَى التَّمْثِيلِ كَقَوْلِهِ: (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ) «٣»] الاسراء: ٢٩]. وَيُقَالُ لِلْبَخِيلِ: جَعْدُ الْأَنَامِلِ، وَمَقْبُوضُ الْكَفِّ، وَكَزُّ الْأَصَابِعِ، وَمَغْلُولُ الْيَدِ، قَالَ الشَّاعِرُ:

كَانَتْ خُرَاسَانُ أَرْضًا إِذْ يَزِيدُ بِهَا ... وَكُلُّ بَابٍ مِنَ الْخَيْرَاتِ مَفْتُوحُ

فَاسْتَبْدَلَتْ بَعْدَهُ جَعْدًا أَنَامِلُهُ ... كَأَنَّمَا وَجْهَهُ بِالْخَلِّ مَنْضُوحٌ

وَالْيَدُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ تَكُونُ لِلْجَارِحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى:" وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثاً" «٤»] ص: ٤٤] هذا مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى. وَتَكُونُ لِلنِّعْمَةِ، تَقُولُ الْعَرَبُ: كَمْ يَدٍ لِي عِنْدَ فُلَانٍ، أَيْ كَمْ مِنْ نِعْمَةٍ لِي قَدْ أَسْدَيْتُهَا لَهُ، وَتَكُونُ لِلْقُوَّةِ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ" «٥»] ص: ١٧]، أي ذا القوة وتكون يد الملك وَالْقُدْرَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" قُلْ إِنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ" «٦»] آل عمران: ٧٣]. وَتَكُونُ بِمَعْنَى الصِّلَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينا أَنْعاماً" «٧»] يس: ٧١] أي مما عملنا نحن. وقال:" أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ" «٨»] الْبَقَرَةِ: ٢٣٧] أَيِ الذِي لَهُ عُقْدَةُ النِّكَاحِ. وَتَكُونُ بِمَعْنَى التَّأْيِيدِ وَالنُّصْرَةِ، وَمِنْ قَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (يَدُ اللَّهِ مَعَ الْقَاضِي حَتَّى يَقْضِيَ وَالْقَاسِمِ حَتَّى يَقْسِمَ). وَتَكُونُ لاضافة الفعل إلى المخبر عند تَشْرِيفًا لَهُ وَتَكْرِيمًا، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ" «٩»] ص: ٧٥] فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى الْجَارِحَةِ، لِأَنَّ الْبَارِيَ جَلَّ وَتَعَالَى وَاحِدٌ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ التبعيض، ولا على القوة والملك


(١). من ع.
(٢). راجع ج ٣ ص ٢٣٧، ٠٤ ٢.
(٣). راجع ج ١٠ ص ٢٤٩.
(٤). راجع ج ١٥ ص ٢١٢، ١٥٨، ٥٥، ٢٢٨.
(٥). راجع ج ١٥ ص ٢١٢، ١٥٨، ٥٥، ٢٢٨.
(٦). راجع ج ٤ ص ١١ ٢.
(٧). راجع ج ١٥ ص ٢١٢، ١٥٨، ٥٥، ٢٢٨.
(٨). راجع ج ٣ ص ٢٣٧، ٠٤ ٢.
(٩). راجع ج ١٥ ص ٢١٢، ١٥٨، ٥٥، ٢٢٨.