للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ مَالِكٍ وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَحْمَدُ وَأَبُو عُبَيْدٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: وَلَيْسَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ فِي هَذَا بِالْقَوِيِّ. قَالَ: وَإِنْ كان الحالف على أنه لم يفعل هذا وَكَذَا وَقَدْ فَعَلَ مُتَعَمِّدًا لِلْكَذِبِ فَهُوَ آثِمٌ وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِي قَوْلِ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ، مالك وسفيان الثوري وأصحاب الرأي وأحمد ابن حَنْبَلٍ وَأَبِي ثَوْرٍ وَأَبِي عُبَيْدٍ. وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَقُولُ يُكَفِّرُ، قَالَ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ مِثْلُ] قَوْلِ [«١» الشَّافِعِيِّ. قَالَ الْمَرْوَزِيُّ: أَمِيلُ إِلَى قَوْلِ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ. قَالَ: فَأَمَّا يَمِينُ اللَّغْوِ الَّذِي اتَّفَقَ عَامَّةُ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهَا لَغْوٌ فَهُوَ قَوْلُ الرَّجُلِ: لَا وَاللَّهِ، وَبَلَى وَاللَّهِ، فِي حَدِيثِهِ وَكَلَامُهُ غَيْرُ مُنْعَقِدٍ لِلْيَمِينِ وَلَا مُرِيدُهَا. قَالَ الشَّافِعِيُّ: وَذَلِكَ عِنْدَ اللِّجَاجِ وَالْغَضَبِ وَالْعَجَلَةِ. الرَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَلكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ) مُخَفَّفُ الْقَافِ مِنَ الْعَقْدِ، وَالْعَقْدُ عَلَى ضَرْبَيْنِ حِسِّيٌّ كَعَقْدِ الْحَبْلِ، وَحُكْمِيٌّ كعقد البيع، قال الشاعر «٢»:

قَوْمٌ إِذَا عَقَدُوا عَقْدًا لِجَارِهِمُ ... شَدُّوا الْعِنَاجَ وَشَدُّوا فَوْقَهُ الْكَرَبَا

فَالْيَمِينُ الْمُنْعَقِدَةُ مُنْفَعِلَةٌ مِنَ الْعَقْدِ، وَهِيَ عَقْدُ الْقَلْبِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَلَّا يَفْعَلَ فَفَعَلَ، أَوْ لَيَفْعَلَنَّ فَلَا يَفْعَلُ كَمَا تَقَدَّمَ. فَهَذِهِ الَّتِي يَحُلُّهَا الِاسْتِثْنَاءُ وَالْكَفَّارَةُ عَلَى ما يأتي. وقرى" عَاقَدْتُمْ" بِأَلِفٍ بَعْدَ الْعَيْنِ عَلَى وَزْنِ فَاعَلَ وَذَلِكَ لَا يَكُونُ إِلَّا مِنِ اثْنَيْنِ فِي الْأَكْثَرِ، وَقَدْ يَكُونُ الثَّانِي مَنْ حُلِفَ لِأَجْلِهِ فِي كَلَامٍ وَقَعَ مَعَهُ، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى بِمَا عَاقَدْتُمْ عَلَيْهِ الْأَيْمَانُ، لِأَنَّ عَاقَدَ قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى عَاهَدَ فَعُدِّيَ بِحَرْفِ الْجَرِّ، لَمَّا كَانَ فِي مَعْنَى عَاهَدَ، وَعَاهَدَ يَتَعَدَّى إِلَى مَفْعُولَيْنِ الثَّانِي مِنْهُمَا بِحَرْفِ جَرٍّ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَمَنْ أَوْفى بِما عاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ" «٣»] الفتح: ١٠] وَهَذَا كَمَا عَدَّيْتَ" نادَيْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ" بِإِلَى، وَبَابُهَا أَنْ تَقُولَ نَادَيْتُ زَيْدًا" وَنادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ" «٤»] مريم: ٥٢] لَكِنْ لَمَّا كَانَتْ بِمَعْنَى دَعَوْتُ عُدِّيَ بِإِلَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:" وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعا إِلَى اللَّهِ" «٥»] فصلت: ٣٣] ثُمَّ اتَّسَعَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:" عَاقَدْتُمْ عَلَيْهِ الْأَيْمَانَ" «٦». فَحُذِفَ حَرْفُ الْجَرِّ، فَوَصَلَ الْفِعْلُ إِلَى المفعول فصار عاقدتموه،


(١). في ج، ك، ع.
(٢). البيت للحطيئة يمدح قوما عقدوا لجارهم عهدا فوفوا به ولم يخفروه. وقد تقدم شرحه بهامش ص ٣٢ من هذا الجزء.
(٣). راجع ج ١٦ ص ٢٧٧.
(٤). راجع ج ١١ ص ١١٣.
(٥). راجع ج ١٥ ص ٣٥٩.
(٦). كذا في الأصول إلا ز، ففيه: في قوله عاقدتم ... إلخ.