للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَرُوِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنَّهُ أَمَرَ أَنْ يُكْسِيَ عَنْهُ ثَوْبَينِ ثَوْبَيْنِ «١»، وَبِهِ قَالَ الْحَسَنُ وَابْنُ سِيرِينَ وَهَذَا مَعْنَى مَا اخْتَارَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ وَاللَّهُ أَعْلَمُ. الثَّانِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ- لَا تُجْزِئُ الْقِيمَةُ عَنِ الطَّعَامِ وَالْكِسْوَةِ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُجْزِئُ، وَهُوَ يَقُولُ: تُجْزِئُ الْقِيمَةُ فِي الزَّكَاةِ فَكَيْفَ فِي الْكَفَّارَةِ! قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَعُمْدَتُهُ أَنَّ الْغَرَضَ سَدُّ الْخَلَّةِ، وَرَفْعُ الْحَاجَةِ، فَالْقِيمَةُ تُجْزِئُ فِيهِ. قُلْنَا: إِنْ نَظَرْتُمْ إِلَى سَدِّ الْخَلَّةِ فَأَيْنَ الْعِبَادَةُ؟] وَأَيْنَ [«٢» نَصُّ الْقُرْآنِ عَلَى الْأَعْيَانِ الثَّلَاثَةِ، وَالِانْتِقَالِ بالبيان من نوع إلى نوع؟! الثالثة والعشرون- إِذَا دَفَعَ الْكِسْوَةَ إِلَى ذِمِّيٍّ أَوْ إِلَى عَبْدٍ لَمْ يُجْزِهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: يُجْزِئُهُ، لِأَنَّهُ مِسْكِينٌ يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْمَسْكَنَةِ، وَيَشْتَمِلُ عَلَيْهِ عُمُومُ الْآيَةِ. قُلْنَا: هَذَا يَخُصُّهُ بِأَنْ يَقُولَ جُزْءٌ مِنَ الْمَالِ يَجِبُ إِخْرَاجُهُ لِلْمَسَاكِينِ فَلَا يَجُوزُ دَفْعُهُ لِلْكَافِرِ، أَصْلُهُ الزَّكَاةُ، وَقَدِ اتَّفَقْنَا عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُهُ لِلْمُرْتَدِّ، فَكُلُّ دَلِيلٍ خُصَّ بِهِ الْمُرْتَدُّ فَهُوَ دَلِيلُنَا فِي الذِّمِّيِّ. وَالْعَبْدُ لَيْسَ بِمِسْكِينٍ لِاسْتِغْنَائِهِ بِنَفَقَةِ سَيِّدِهِ فَلَا تُدْفَعُ إِلَيْهِ كَالْغَنِيِّ. الرَّابِعَةُ وَالثَّلَاثُونَ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ) التَّحْرِيرُ الْإِخْرَاجُ مِنَ الرِّقِّ، وَيُسْتَعْمَلُ فِي الْأَسْرِ وَالْمَشَقَّاتِ وَتَعَبِ الدُّنْيَا وَنَحْوِهَا. وَمِنْهُ قَوْلُ أُمِّ مَرْيَمَ:" إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّراً «٣» "] آل عمران: ٣٥] أَيْ مِنْ شُغُوبِ الدُّنْيَا وَنَحْوِهَا. وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ الْفَرَزْدَقِ بْنِ غَالِبٍ:

أَبَنِي غُدَانَةَ إِنَّنِي حَرَّرْتُكُمْ ... فَوَهَبْتُكُمْ لِعَطِيَّةَ بْنِ جِعَالِ

أَيْ حَرَّرْتُكُمْ مِنَ الْهِجَاءِ. وَخَصَّ الرَّقَبَةَ مِنَ الْإِنْسَانِ، إِذْ هُوَ الْعُضْوُ الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْغُلُّ وَالتَّوَثُّقُ غَالِبًا مِنَ الْحَيَوَانِ، فَهُوَ مَوْضِعُ الْمِلْكِ فَأُضِيفَ التَّحْرِيرُ إِلَيْهَا. الْخَامِسَةُ وَالثَّلَاثُونَ- لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا إِلَّا إِعْتَاقُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ كَامِلَةٍ لَيْسَ فِيهَا شِرْكٌ لِغَيْرِهِ، وَلَا عَتَاقَةُ بَعْضِهَا، وَلَا عِتْقٌ إِلَى أَجَلٍ، وَلَا كِتَابَةٌ وَلَا تَدْبِيرٌ، وَلَا تَكُونُ أُمَّ وَلَدٍ وَلَا مَنْ يَعْتِقُ عَلَيْهِ إِذَا مَلَكَهُ، وَلَا يَكُونُ بِهَا مِنَ الْهَرَمِ وَالزَّمَانَةِ مَا يَضُرُّ بِهَا فِي الِاكْتِسَابِ، سَلِيمَةً غير معيبة،


(١). أي ثوبان لكل مسكين.
(٢). الزيادة عن ابن العربي.
(٣). راجع ج ٤ ص ٦٥