شي، لَا إِثْمٌ وَلَا مُؤَاخَذَةٌ وَلَا ذَمٌّ وَلَا أَجْرٌ وَلَا مَدْحٌ، لِأَنَّ الْمُبَاحَ مُسْتَوِي الطَّرَفَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرْعِ، وَعَلَى هَذَا فَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يُتَخَوَّفَ وَلَا يُسْأَلَ عَنْ حَالِ مَنْ مَاتَ وَالْخَمْرُ فِي بَطْنِهِ وَقْتَ إِبَاحَتِهَا، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْقَائِلُ غَفَلَ عَنْ دَلِيلِ الْإِبَاحَةِ فَلَمْ يَخْطُرْ لَهُ، أَوْ يَكُونُ لِغَلَبَةِ خَوْفِهِ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى، وَشَفَقَتِهِ عَلَى إِخْوَانِهِ الْمُؤْمِنِينَ تَوَهَّمَ مُؤَاخَذَةً وَمُعَاقَبَةً لِأَجْلِ شُرْبِ الْخَمْرِ الْمُتَقَدِّمِ، فَرَفَعَ اللَّهُ ذَلِكَ التَّوَهُّمَ بِقَوْلِهِ:" لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا" الْآيَةَ. الثَّالِثَةُ- هَذَا الْحَدِيثُ فِي نُزُولِ الْآيَةِ فِيهِ دَلِيلٌ وَاضِحٌ عَلَى أَنَّ نَبِيذَ التَّمْرِ إِذَا أَسْكَرَ خَمْرٌ، وَهُوَ نَصٌّ وَلَا يَجُوزُ الِاعْتِرَاضُ عَلَيْهِ، لِأَنَّ الصَّحَابَةَ] رَحِمَهُمُ «١» اللَّهُ [هُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ، وَقَدْ عَقَلُوا أَنَّ شَرَابَهُمْ ذَلِكَ خَمْرٌ إِذْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ شَرَابٌ ذَلِكَ الْوَقْتِ بِالْمَدِينَةِ غَيْرُهُ، وَقَدْ قَالَ الْحَكَمِيُّ:
لَنَا خَمْرٌ وَلَيْسَتْ خَمْرَ كَرْمٍ ... وَلَكِنْ مِنْ نِتَاجِ الْبَاسِقَاتِ
كِرَامٌ فِي السَّمَاءِ ذَهَبْنَ طُولًا ... وَفَاتَ ثِمَارَهَا أَيْدِي الْجُنَاةِ
وَمِنَ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ: أَخْبَرَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا، أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ عَنْ شَيْبَانَ عَنِ الْأَعْمَشِ عَنْ مُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ عن جابر عن النبي صلى اله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: [الزَّبِيبُ وَالتَّمْرُ هُوَ الْخَمْرُ]. وَثَبَتَ بِالنَّقْلِ الصَّحِيحِ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَحَسْبُكُ بِهِ عَالِمًا بِاللِّسَانِ وَالشَّرْعِ- خَطَبَ عَلَى مِنْبَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ، أَلَا إِنَّهُ قَدْ نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ يَوْمَ نَزَلَ، وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ: مِنَ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ، وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ. وَهَذَا أَبْيَنُ مَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْخَمْرِ، يَخْطُبُ بِهِ عُمَرُ بِالْمَدِينَةِ عَلَى الْمِنْبَرِ بِمَحْضَرِ جَمَاعَةِ الصَّحَابَةِ، وَهُمْ أَهْلُ اللِّسَانِ وَلَمْ يَفْهَمُوا مِنَ الْخَمْرِ إِلَّا مَا ذَكَرْنَاهُ. وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا بَطَلَ مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْكُوفِيِّينَ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ الْخَمْرَ لَا تَكُونُ إِلَّا مِنَ الْعِنَبِ، وَمَا كَانَ مِنْ غَيْرِهِ لَا يُسَمَّى خَمْرًا وَلَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْخَمْرِ، وَإِنَّمَا يُسَمَّى نَبِيذًا، وَقَالَ الشَّاعِرُ:
تَرَكْتُ النَّبِيذَ لِأَهْلِ النَّبِيذِ ... وَصِرْتُ حَلِيفًا لِمَنْ عَابَهُ
شَرَابٌ يُدَنِّسُ عِرْضَ الْفَتَى ... وَيَفْتَحُ للشر أبوابه
(١). من ب وج وك.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute